تقويم الاداء - وسيلة تحسين النوعية فى تنمية الموارد البشرية
Evaluation: A Tool for Improving HRD Quality
مقدمة المؤلف
خلال العشرين سنة الماضية كان إخصائيو تنمية الموارد البشرية مطالبين بتقويم نتائج جهودهم ، وكانت الحاجة إلى التقويم هي الموضوع الرئيسى للعديد من مقالات الصحف ولما يتم تداوله في المؤتمرات المحلية . ومع ذلك فمنذ عهد قريب في عام (۱۹۸۸م) أوضح تقرير عن (45) شركة من الشركات ال (500) الكبرى طبقا لمجلة (فورتشن FORTUNE) أنه برغم أن (۱۰۰٪) من المنظمات قد استخدمت شكلا من أشكال نماذج استطلاع آراء المشاركين ، فإن (۳۰%) فقط استخدمت مقاييس التعرف على التعلم ، و (۱۰ %) فقط استخدمت مقاييس للسلوك ( براندنبراج BRANDENBURG وشولتز SCHULTZ - ۱۹۸۸) .
وربما كان سبب قيام إخصائيي تنمية الموارد البشرية بقدر قليل من التقويم لا يرجع إلى عدم الإلمام بالطريقة ، بقدر ما يرجع إلى عدم وضوح الغرض من التقويم . ومن المعروف أن وضع نظام تقويم خاص بتنمية الموارد البشرية في المؤسسة يبدأ عادة برغبة من جانب إخصائي تنمية الموارد البشرية في «القيام بشیء ما بخصوص التقويم » في المنظمة . ولكن عندما يطلب من الإخصائي أن يبرز الأسئلة التي يرغب في الحصول على إجابات عنها ، يكون رده فترة طويلة من الصمت والتفكير ؛ ويرجع ذلك إلى أنه غالبا لا يكون قد تم التفكير في الغرض الذي يمكن أن يحققه التقويم ، برغم توفر الإحساس بأن التقويم شیء «لا بد منه».
والمثال التالي لظاهرة «لا بد منه ، قد حدث منذ عدة سنوات مضت : فكانت هيئة تنمية الموارد البشرية في إحدى المنظمات قد أوجبت ضرورة قيام كافة المواقع بوضع مقاييس أداء في برامجها التدريبية لتحديد مقدار التعلم الذي يتحقق ، وأمضى المدربون أياما وهم يقومون بتصميم أدوات قياس للبرامج وتحديد مدى دقتها في القياس . وفي نهاية كل برنامج كان المدربون يقومون باستخدام المقاييس وتسجيل النتائج ، ثم يتلو ذلك قيام مدير البرنامج بتجميع النتائج على شكل تقرير شهری . وفي أول الأمر كان المدربون متحمسين للعملية ، فقد وجدوا أن البيانات يمكن أن تساعدهم في تحسين البرامج ، ومع ذلك يبدو أنه لم يكن أحد يعرف ما يمكن أن يفعله بالنتائج المتجمعة . ولم تكن هيئة تنمية الموارد البشرية في الواقع تهدف إلى معرفة النتائج ، وإنما كانت تهدف إلى معرفة عدد البرامج التي يوجد بها مثل تلك المقاييس ، وخلال بضعة أسابيع توقف مدير البرامج عن جمع النتائج . وبعد ذلك بعدة أسابيع فإن كثيرة من المدربين ممن لمسوا فوائد استخدام هذه المقاييس توقفوا أيضا عن تسجيل النتائج ، ومع ذلك استمر العمل في استخدام المقاييس حتى يمكن لمديري الإدارات أن يذكروا في تقاريرهم أن كل البرامج لها مقاييس أداء ، مع أنه بات واضحا للعيان أن المقاييس لم تكن مرتبطة بخطة عمل أو تخدم غرضا محددا .
ومعلومات التقويم تظل مجرد بيانات لا أهمية لها إلى أن تستخدم للوصول لغرض ما ، وإذا ما تم التفكير مقدما في الغرض من التقويم وبلورة هذا الغرض ، فإن ذلك يحدد ما ينبغي قياسه وما يستخدم من أدوات في جمع البيانات .
ويمكن أن يخدم التقويم الأغراض الثلاثة التالية :
- تحسين تصميم وتنفيذ مناسبة التعلم
- زيادة معدلات استخدام التعلم أثناء العمل
- اتخاذ القرارات المتعلقة بالتعلم في المنظمة
إن كل واحد من تلك الأغراض يعتبر مبررا كافيا لجمع بيانات التقويم ، ومع ذلك فالغرض الأكثر احتواء وأهمية للاحتياجات الحالية لتنمية الموارد البشرية هو «تحسين نوعية الخدمة التي تقدمها إدارة تنمية الموارد البشرية للمنظمة».
وأحد الدروس التي يمكن أن يتعلمها العاملون في مجال تنمية الموارد البشرية من التصنيع هو أن متابعة الجودة جزءا بعد جزء لا تضيف شيئا بالنسبة لتحسين الجودة ، إذ يجب أن تتلاعم الأجزاء ما في خطة جودة شاملة . ويقترح هذا الكتاب أن يقوم إخصائيو تنمية الموارد البشرية بتحسين نوعية الخدمة التي يقدمونها للمنظمة ، وذلك باستخدام أساليب وطرق تقويم الأداء.
والقسم الثاني - الذي يتمم الفصل الأول - يقوم بتحديد معالم خطة جودة لتنمية الموارد البشرية تسير على نمط تخطيط الجودة الذي اقترحه (جوران JURAN۔ ۱۹۸۸م) ، وفي هذا القسم يتم تحديد كل واحد من الأغراض الأولية للتقويم ، وبعد ذلك يتم تفصيله بشكل تام في موضع لاحق . أما الفصل الثاني فإنه يتناول الغرض من تحسين تصميم وتنفيذ مناسبات التعلم ، بما في ذلك معالجة موضوع أدوات القياس وعملية اختيار تلك الأدوات والمشكلات المتعلقة بذلك . والفصل الثالث يتناول الغرض من تكريس استخدام التعلم على رأس العمل ، ومرة أخرى يتم تحديد معالم وبحث إجراءات اختيار الأدوات المناسبة للقياس والمشكلات ذات الصلة بها، كما يعالج هذا الفصل أيضا قضايا خاصة تدخل في مجال تقويم تطوير الإدارة . وفي الفصل الرابع يناقش الكتاب الغرض من اتخاذ القرارات المتعلقة بالتعلم في المنظمة . أما الفصل الخامس والأخير ، فإنه يتعرض لطريقة تصميم مختلف أدوات القياس (الإيضاح العملي ، المقاييس الموضوعية ، الاستبانات والمقابلات الشخصية ، وما إلى ذلك) وطريقة تحديد دقتها فيما تقيسه .
وقد استخدمنا تعبير « مناسبة التعلم » في هذا الكتاب لوصف أي تجربة يتم التخطيط لها ، ويقصد منها أن يكون نتاجها الأساسي هو تعلم المهارات والمعارف والاتجاهات . ومناسبات التعلم التي من خلالها يحدث التعلم في المنظمة تأخذ أشكا متنوعة ، مثل : البرامج التي تتوفر في المكتبات للبناء الذاتي لمهارات الفرد ، ومتابعة أنظمة الخبرة المستخدمة في مواقع العمل ، وفرق القيام بالبحوث العملية ، والاستشارات الداخلية التي تنطوي على دمج جماعات العمل في شكل فريق ، بالإضافة إلى البرامج التعليمية والحلقات الدراسية التطبيقية المعروفة . وفي هذا الكتاب يقصد بمصطلح « برنامج » أحد روافد مناسبات التعلم التي يتجمع فيها المشاركون لفترة من الزمن ( تتراوح بين عدة ساعات و عدة أيام ) ؛ ليتعلموا على يد أحد المدربين موضوعا محدد التعريف .
وأحد الأفكار التي يطرحها هذا الكتاب هو أن إخصائيي تنمية الموارد البشرية عليهم ابتكار طرق جديدة لتوفير مناسبات التعلم داخل المنظمة ، وكان المعتاد - خلاف ذلك - مقابلة احتياجات التعلم بعقد البرامج التعليمية المطولة . ولكي نتحاشی احتمال حدوث تداخل في معانی المصطلحات ، فإنه من الأهمية بمكان أن نستخدم المصطلح الأكثر شمولا وهو «مناسبة التعلم» ؛ وذلك لتجنب تعزيز الافتراض بأن كل التعلم يتم من خلال برامج دراسية أو حلقات تطبيقية .