التصالح مع النفس والواقع

التصالح مع النفس والواقع





واحد من المبادئ الأساسية للحصول على الصحة النفسية والحفاظ عليها هو القبول غير المشروط بالذات وبالحياة، أو بمعنى آخر التصالح مع النفس والواقع كما هما القبول غير المشروط بالحياة يتجسد في مقدرتنا على استيعاب وتقبل حقيقة أن نتيجة التخطيط والعمل والمثابرة تعتمد على عوامل كثيرة خارج نطاق سيطرتنا مثل تقييم الآخرين والتوقيت والمكان. 

مثلا هنالك أفكار ممتازة لكنها إذا طرحت على أشخاص غير مناسبين أو في مكان أو زمان غير مناسبين فإنها لن تحظى بتقدير أو اهتمام بنفس المبدأ إن تعرقلت خطة معينة، أو فشل مشروع معين، فليس بالضرورة أن يكون هذا ناتجا عن تقصير أو إهمال شخصي. فمن هذا المنطلق يجدر بالمرء أن يتقبل ما تأتي به الأقدار برحابة صدر خاصة وإن كان قد عمل كل ما باستطاعته عمله لإنجاح خططه وأهدافه. أما عن القبول غير المشروط بالذات فهو يتجسد بمقدرتك على أن تفصل نفسك عن أفعالك. 

بمعنى أنك عندما تتصرف بشكل سيئ، قد تنتقد تصرفاتك بهدف التعلم من الأخطاء، لكن يجب أن ترفض أن تجلد نفسك أو تكلم نفسك بطريقة قاسية أو مهينة. يمكنك تقييم سلوكياتك على أنها جيدة أو سيئة (مفيدة، أو غير مفيدة، أو ضارة لك أو للآخرين، ولكن لا تربط قيمة نفسك بأفعالك.

تقبل نفسك دائما دون قيد أو شرط لأنك لن تحظى دائمًا بهذا التقبل من الآخرين. تذكر أن الدماغ والجسد اللذين وهبت لا يمكن استبدالهما بنسخ أفضل. فلذلك كل ما بوسعك أن تفعله هو أن تتقبل السمات الجسدية والعقلية التي لديك، وأن تعمل على جعلها تنمو وتتطور إلى أقصى حد ممكن، ضمن قدراتك الشخصية وضمن ظروفك الحياتية. 

طور نفسك وحاول أن تقلل من عدد أخطائك بدون جلد للذات وبدون المبالغة في عواقب إخفاقاتك كلنا نرتكب أخطاء ونفشل في بعض الأحيان، لكن لا ينبغي النظر إلى ذلك على أنه كارثة أو دليل على عدم جدارتنا. أولئك الذين نادرًا ما يفشلون من المرجح أن يكونوا حذرين للغاية وغير طموحين أو مغامرين بما يكفي للشروع في تحديات جديدة علينا أن نتحدى أنفسنا باستمرار لمواصلة النمو والتطور إن الحذر الشديد والرغبة في القضاء على خطر الفشل سيحد فقط من فرص النمو والتطور.

يمكنك محاولة التقليل من احتمالات الفشل إذا كنت منظما في تخطيطك وفعالًا في تنفيذ خططك، ولكن لا يمكنك القضاء على كل احتمالات الفشل إلا إذا قمت بتحديد حياتك وطموحاتك. من المحزن أن الكثير من الناس يتخلون عن أحلامهم وطموحاتهم، أو حتى يتجنبوا التفكير بالأحلام والطموحات، فقط بسبب خوفهم من الفشل. 

يجب ألا نخشى الفشل لأننا نتعلم من فشلنا أكثر مما نتعلم من نجاحاتنا. بعض الناس يخشون الفشل لأنهم يقدمون على كل مهمة أو تحدّ على أنه سيحدد قدرهم وقيمتهم في مجال ما أو في الحياة عامةً. وهذه الحدية غير صحية، وقد نتوقعها من الآخرين في حكمهم علينا ، ولكن من الخطأ أن نصدق أن قيمتنا مرتبطة بأدائنا في أي مجال. 

ومن الجدير بالذكر أن الكثير من الناس يخشون الفشل لأنهم مثاليون ويرفضون ارتكاب أي أخطاء ويرفضون الأداء بأي طريقة أقل من المثالية بالرغم من أنهم يعانون الكثير من المشاعر السلبية والاضطرابات النفسية بسبب التشبث بهذه الأفكار وغالبًا ما تعكس المثالية عدم القدرة على تقبل الذات إلا بشروط معينة (أي فقط في حالة الأداء الكامل في مجال ما) بالإضافة إلى انخفاض في تقدير الذات.

قد يتساءل البعض عن الفرق بين تقبل الذات غير المشروط وتقدير الذات (أي الصفات التي تعكس الثقة العالية بالنفس)، وهنا يجب أن نوضح أن تقدير الذات شيء مستحب إلى حدٍ ما، ولكنه ليس ضروريا لاكتساب الصحة النفسية. أما عن تقبل الذات غير المشروط، فهو شيء أساسي لاكتساب الصحة النفسية ولا يمكن الاستغناء عنه.

إذا كنت تحظى بتقدير ذاتي عالٍ فستكون معتقداتك عن نفسك إيجابية بشكل عام (أنا) جدير بالاحترام، وأنا جيد بما فيه الكفاية، وما إلى ذلك). إذا كان لديك تقدير ذاتي منخفض، فإن معتقداتك عن نفسك غالبًا ما تكون سلبية (أنا) عديم القيمة، لا أهمية لي عند الآخرين، وما إلى ذلك). تدني تقدير الذات يمكن أن يشير إلى مشاكل نفسية مثل الاكتئاب، لكن تقدير الذات المفرط أو المبالغ فيه قد يشير إلى النرجسية. النرجسية اضطراب بالشخصية وحالة مرضية تتجسد في صفات الأنانية، الغرور، الشعور بالاستحقاق عدم التعاطف مع الآخرين، والحاجة إلى الإعجاب من الآخرين. ومن الجدير بالذكر أن سلوك الشخص الذي يتمتع بتقدير عالٍ للذات قد يشبه سلوك الشخص النرجسي أو حتى الشخص الذي يعاني من عقدة نقص، خصوصا في حاجتهما الماسة للإعجاب والاهتمام من الآخرين.



Mohammed
Mohammed