مهارات التواصل غير اللفظية

مهارات التواصل غير اللفظية




مفهوم مهارات التواصل غير اللفظية

التواصل عملية ديناميكية تبادلية للمعلومات والأفكار والعواطف ؛ فمنذ ظهور الجنس البشري، ونحن نتشارك أشكالا مختلفة من التواصل والتي تتحدد في التواصل اللفظي وغير اللفظي، وقد استخدم التواصل غير اللفظي كثيرًا عندما كان البشر لا يستخدمون الكلام مع بعضهم البعض، ففي العصور القديمة تم استخدام التواصل غير اللفظي لفهم الشخص الآخر، فالإنسان بطبيعته يلجأ إلى التواصل مع الآخرين ويحتاج إلى ذلك من أجل التطور وتبادل الخبرات وغيرها من القضايا الإنسانية ، ولكن مع تعقد المجتمعات الإنسانية اليوم فإن الفرد يحتاج إلى أشكال التواصل اللفظي وغير اللفظي معا للتواصل مع الآخرين.

ويعتبر التواصل غير اللفظي هو الأقدم والأكثر صدقا إذا توافر لرموزه عنصر الخبرة المشتركة بين المرسل والمستقبل وإذا كانت وسيلته تعبيرات الوجه .

فالتعبير الوجهي أكثر قنوات التواصل غير اللفظية شيوعا وتتوافر له خاصية الصدق في معظم الأحيان، وقليل من الناس هم الذين يملكون القدرة على إظهار تعبيرات وجهية تتناقض مع مكونات نفوسهم"، بل إن هؤلاء الذين تمرسوا على إخفاء ما بداخلهم بحكم ظروف عملهم أو تكوينهم النفسي كثيرا ما تفضح وجوههم خفاياهم في ظروف معينة وبتأثير مواقف غير عادية أو غير متوقعة بالنسبة لهم .


ويمثل التواصل غير اللفظي المحور الأكبر في عملية التواصل، فالتواصل الإنساني بصفة عامة يصعب فهمه دون تفسير السلوكيات غير اللغوية المصاحبة له. هذه السلوكيات والأحداث غير اللفظية تعد عملية طبيعية وتلقائية تتميز بالفورية وتكون مصاحبة للحوار الكلامي، كما أن للغة الجسد دورًا كبيرًا في نقل المعلومات والأفكار والمفاهيم، وهي أحد جوانب الكفاءة اللغوية المهمة، وأحد مؤشرات التواصل الفعال .

واتفق أغلب الباحثين على تعريف التواصل غير اللفظي والذي تحدد في كونه مهارات الفرد في التواصل بطريقة غير لغوية، فيعرفه قاموس الرابطة الأمريكية لعلم النفس (2015) على أنه "أي فعل يتم من خلاله نقل المعلومات دون استخدام الكلمات والألفاظ، والذي يحدث من خلال تعبيرات الوجه والإيماءات، ولغة الجسد، ونبرة الصوت، وغيرها من المؤشرات المادية من المزاج، والموقف، والاستحسان، والتي قد تتطلب الإلمام بالثقافة العامة أو الثقافة الفرعية للفهم". 

والتواصل غير اللفظي هو عملية إرسال واستقبال الرسائل دون استخدام الكلمات سواء المكتوبة أو المنطوقة ، وهو شكل من أشكال التواصل التي تفتقر إلى خصائص اللغة.

كما يعد التواصل غير اللفظي عملية نقل المعلومات والأخبار باستخدام الإيماءات أو الإشارات أو الطابع الحركي، وقد تكون هذه الإيماءات والتلميحات والإشارات إرادية أو غير إرادية من مصدر التواصل .

وتستخدم فيه مجموعة من التصرفات والإيماءات والاشارات وتعبيرات الوجه والصور وكلها رموز لمعان معينة. وكثيرا ما تؤدي الإشارة دورا في نقل الفكرة أو توصيل الإحساس وقد تدعم التعبير الشفهي.

إن نماذج الصمت ومختلف مظاهر التواصل غير اللفظي الأخرى، هي في حقيقة الأمر عبارة عن تعبيرات منظمة ومنسقة توضح مجموعة من المعاني التي يستخدمها الفرد، أو يقصدها في تعامله واختلاطه بالآخرين .

مما سبق يتضح بأن مهارات التواصل غير اللفظية هي التي تستخدم فيها الإشارات والإيماءات وتعبيرات الوجه وتعبيرات الصوت ولغة العين لتوصيل معنى معين

تاريخ مهارات التواصل غير اللفظية

من أوائل الحضارات التي اهتمت بالتواصل غير اللفظي (لغة الجسد) ودراستها وما يصدر منها ، هم القدماء المصريون والاغريق والرومان، ويدل على ذلك التماثيل والمعابد التي تم بناؤها بواسطة هذه الحضارات.

وقد أسهم العرب كثيرا في التواصل غير اللفظي (لغة الجسد) من خلال ما يسمى ب (علم الطباع) أو (علم الفراسة) وهو من العلوم الدخيلة بالنسبة للعرب استمدوها من الثقافات العالمية، مستلهمين بدراسات الفيلسوف اليوناني (ارسطو)، وقد اهتم العرب بهذا العلم، وتوسعوا في التأليف بهذا الفرع من العلوم، ويعد (ابن سينا : 428هـ / 1073م) أول من ذكر الفراسة في رسالة موجزة يصف فيها العلوم المتعلقة بالعقل، حيث وضعها في المرتبة الثالثة بعد علم الطب وعلم أحكام النجوم .

وتذهب إحدى النظريات إلى أن الإيطاليين طوروا إيماءات اليد، لتكون شكل تواصل بديلا حين كانوا تحت الاحتلال النمساوي والفرنسي والاسباني من القرن الرابع عشر حتى أواخر القرن التاسع عشر، كطريقة للتواصل لا يفهمها المحتل وتقول نظرية أخرى إن إيماءات اليد في مدن مكتظة بالسكان، مثل نابولي، أصبحت طريقة للتنافس، يقول الفرد "هذه رقعتي" في حلبة مزدحمة. وقالت بوجي : " للفت الانتباه، كان الناس يستخدمون حركات اليد والجسد". 

ولاحظت بوجي تطور اللغات على مر العصور، فيما بقيت حركات اليد بلا تغيير، قائلة : "الإيماءات تتغير أقل من تغير المفردات" .

ويمكن القول بأن المرحلة والدراسة العلمية للتواصل غير اللفظي ترجع إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية، ففي خمسينيات القرن العشرين بدأت تظهر بعض الكتب العلمية عن لغة الجسد، حيث نشر كل من (روشي وكيس) عام 1956م كتابا عن التواصل غير اللفظي واحتوى معلومات عن علم الادراك .

خصائص مهارات التواصل غير اللفظية

تعد المهارات غير اللفظية نوعا من التواصل عبر إيماءات وعبارات غير منطوقة، وإن كانت واحدة من أفضل الطرق لإظهار مدى اهتمامك دون أن تنطق بكلمة بما يقوله شخص ما هي الإيماءات وبدون تبادل أي كلمة يمكنك التخمين بمشاعر الآخرين.

وتتميز مهارات التواصل غير اللفظية بمجموعة من الخصائص ، لعل أهمها كونها تصدر عن الإنسان بحكم طبيعته الإنسانية ، واعتمادها على إصدار الإشارات والإيماءات والحركات الجسدية، فالإيماءات على وجه الخصوص مفيدة أثناء شرح أحد الأشخاص مثلا تفاصيل حادثة ما ولا ترغب في مقاطعته، ولكن تود أن تظهر له إنك متابع لحديثه.
 
ومهارات التواصل غير اللفظية تعتمد غالبا على لغة العين وهي واحدة من أكثر مهارات التواصل غير اللفظية قوة وصدقا وتسمى أيضا مهارة الحضور، لأنها تجعل الآخرين يدركون بأنك مهتم، متفتح ويقظ لما يقولونه .

ومن خصائص مهارات التواصل غير اللفظية استخدامها رموزا وإشارات ذات معنى، فتعبيرات وجهك مثلا نفس الفاتورة التي تجعل كل من حولك يعرف ما إذا كنت سعيداً، حزيناً أم مندهشاً ، عندما تطلع عليها .

ومن المعروف إن مهارات التواصل غير اللفظية غير خاضعة لقواعد اللغة، فمعظم رموزها عالمية الاستخدام رغم اختلاف اللغات واللهجات كالابتسام والخوف والخجل، وتكتسب في مراحل مبكرة من النمو الإنساني، فقد يولد الطفل باكياً أو مبتسماً ، وتعتبر هذه المهارات أشد قوة وتأثيرا على المستقبل من التواصل اللفظي، حيث يتم فهمها مباشرة وبطريقة فورية ومن الخصائص المهمة التي تميز المهارات غير اللفظية تمتعها بدرجة عالية من الصدق ؛ فيمكن من خلالها التعبير عن أشكال يصعب وصفها بالكلمات، وتصدر غالبا بطريقة عفوية، دون أن تحتاج إلى قدر كبير من الفكر، وتعتمد على الاختصار والسرعة .

أهمية تنمية مهارات التواصل غير اللفظية

تعد مهارات التواصل غير اللفظية من المتطلبات الأساسية لتحقيق التميز والتفوق والنجاح على المستويين الشخصي والمهني لكافة شرائح المجتمع من تربويين ومفكرين وسياسيين وإعلاميين واقتصاديين ودعاة. لذلك فإن سر نجاح الأنسان في حياته الاجتماعية والمهنية مرتبط بإتقانه لهذه المهارات.

وقد أشارت دراسات علم التواصل إلى أن الإشارات والعلامات يمكنها أن تقوم بدور في تكرار الرسالة المنطوقة وهو ما يسمى بحالة تكرار التواصل اللفظي بغير اللفظي .

والميزة العامة لمهارات التواصل غير اللفظية أنها تتطلب تطور سلسلة من الأفعال بحيث تأديتها بدقة وبتوقيت مناسب في المكان المناسب . 

وتختلف الأداءات التي يؤديها الفرد كان قد تعلمها حديثا، وآخر كان قد أتقن هذه المهارات غير اللفظية بشكل محكم . ومعروف أن التواصل الفعال هو ركيزة أي علاقة ناجحة، سواء أكانت مهنية أم شخصية، وبأية حال فإن مهارات التواصل غير اللفظية هي الأكثر أهمية في عملية التواصل. 

حيث يؤكد العالم (ألبرت مهارابيان) من جامعة هارفارد أن (93%) من عملية التواصل تتم بطريقة غير لفظية حيث أن تعبيرات الجسم تشكل (55%) من عملية التواصل ونبرات الصوت تمثل (38%) أما الكلمات تمثل (%7) فقط من عملية التواصل. 

واكتشف العالم (ألبرت مهارابيان) ثلاثة مفاهيم بارعة للتواصل، وهي كالآتي : 
1 - الكلام : لا يمثل الكلام المنطوق عند ألبرت مهاربيان سوى 7% من عملية التواصل، وفي رأيه أن الكلام ليس له أي معنى إلا المعنى الذي نحن نعطيه له، والكلام ليس له طاقة ولا حياة غير الذي ندخله نحن فيه. فمثلا عندما نقول (مرحبا ) لصديق ما وننطق هذي الكلمة بعبوس أو بغضب أو تقطيب للجبين سيعلم هذا الصديق بأن هناك رسالة يريد أن يوجهها له صديقه كالعتاب أو عدم الراحة منه بسبب موقف ما ، وعندما ينطقها مبتسما بصوت متزن سيعلم هذا الصديق أن الطرف الآخر مهتم به واستنتج ذلك من الطاقة والروح التي أدخلها هذا الشخص في هذه الكلمة.

2 - نبرة الصوت : يمثل العامل الصوتي نسبة 38% من عملية التواصل عند (ألبرت مهارابيان)، وبحسب رأيه أن نبرة الصوت قد تنقل رسالة مضادة في المعنى الذي تحمله الكلمة، ففي أغلب الأوقات، يكون للجانب الصوتي تأثير أدق وأعمق من الجانب الكلامي. فعندما تتكلم مع شخص، تأكد أن كلامك منسجم مع نبرة صوتك التي تستخدمها.

3 - حركات الجسم : إن حركات الجسم وتعبيرات الوجه لها تأثير كبير في عملية التواصل، فعندما يندمج معها العامل اللفظي والعامل الصوتي بشكل مكتمل، ستكون الرسالة المرسلة منك واضحة ودقيقة ولها تأثير أكبر في العملية التواصلية وستصل الجمهور بطريقة منظمة.

والشكل التالي يوضح المنطلقات الثلاثة لعملية التواصل عند ألبرت مهاربيان :




وتكمن أهمية تنمية مهارات التواصل غير اللفظية في كونها أكثر تأثيرا من الكلام المنطوق، فعندما تتعارض الكلمة المنطوقة مع مهارات التواصل غير اللفظية، فإن تأثير مهارات التواصل غير اللفظية يكون أقوى، وأكثر صدقا ؛ لأنها تعبر عن المشاعر بصورة جلية، لا يمكن للشخص إبطانها وطمسها، مما يؤدي إلى زيادة الثقة بين طرفي التواصل خصوصا عندما يتم توظيفها بصورة إيجابية.

وهذه المهارات تعبر بطريقة واضحة عن الأفكار والاتجاهات والمعتقدات بسهولة ويسر، وهي أكثر دقة؛ لأنها لا تحمل تشويش وسوء تعبير عندما يستخدمها الفرد بالطريقة الإيجابية الصحيحة. ومهارات التواصل غير اللفظية تزيد أهمية التواصل والتفاعل الجماعي من حيث العلاقات بين الأشخاص وتنظمها وترتبها عن طريق الإشارات والايماءات، وهي سريعة حيث يكون التعبير فيها سريعاً وفورياً؛ لأنها تؤكد مضمون الرسالة اللفظية وتزيد من وضوحها وتثبتها في الذاكرة، وتعتمد على الصور المشاهدة وليس الكلمات. 

وتختصر مهارات التواصل غير اللفظية الكثير من الكلمات عن طريق مجموعة من الرموز البسيطة المعبرة، والتي تحتاج الى الكثير من الكلمات، وتقلل من معوقات التواصل وتتخطاها وتمنع عوامل التشويش التي تحدث في التواصل عن طرق الكلمات، بما في ذلك عقبة تباين اللغات بين طرفي التواصل

والشكل التالي يوضح أهمية مهارات التواصل غير اللفظية :






وتعتبر أغلب مهارات التواصل غير اللفظية عالمية حيث أنها تتفق في كثير من الأحيان لدى كثير من الثقافات العالمية فاللغة غير اللفظية والتي يطلق عليها أحيانا لغة الجسد هي لغة عالمية يتفق عليها كثير من الشعوب والأمم

فوائد تنمية مهارات التواصل غير اللفظية

  1. استيعاب الذات بشكل أعمق من خلال شرح الإيماءات والإشارات غير اللفظية التي تنبع من الذات الإنسانية.
  2. تفهم الطلاب بشكل أدق من خلال مشاهدة ردود لغتهم الجسدية أثناء عملية التواصل.
  3. التواصل الأنسب مع الآخرين بتوظيف قنوات التواصل غير اللفظية سريعة التأثير. 
  4. استعادة الثقة بالذات بشكل أكبر.
  5. الاستغلال الأمثل لمهارات التواصل غير اللفظية في فهم ما يدور حولنا من أحداث في زمن يصعب فيه البوح والنطق بكل ما نعرف.
  6. تعكس لنا الأحاسيس والمشاعر الإنسانية 

والشكل التالي يوضح الأحاسيس والمشاعر التي تنقلها وتعكسها لنا مهارات التواصل غير اللفظية :





رابط المقال

لتحميل المقال اضغط 👈 هنا
Mohammed
Mohammed