التعلم التكراري

التعلم التكراري




مقدمة

عُرفت العشرية الأخيرة من القرن العشرين بأنها عقد الدِماغ، إذ بَرز في هذا العقد نوعٌ من التعلم سُمي بالتَعلُّم المُستند إلى الدماغ، ويهدف إلى إيجاد وتطوير استراتيجيات تُساهم بشكل فاعل في تكوين بيئة صفية غير محدودة الإمكانيات، وتنشئة جيلًا قادرًا على حل المشكلات المُستقبلية، وأثبتت نظرية التعلُّم المُستند إلى الدماغ أن للدماغ قُدرة لا متناهية على الإبداع والابتكار، وأنه يُوجد في الدماغ مناطق تُستثار فقط بواسطة تكرار بعض الحروف أو الكلمات أو الرموز .

والتَعلُّم يُغيّر الدِماغ من الناحية الفيزيائية، فمع كل ما هو جديد من خبرات أو مُثيرات أو سلوك ؛ يستطيع الدماغ أن يُعيد تنظيم نفسه، وتغيير شبكة التوصيل الكهروكيميائي فيه بتنشيط عملية التواصل بين خلاياه، ومما يُساعد على ترسيخ ذلك التواصل بين الخلايا العصبية للدماغ هو عملية تكرار استقباله للمُثيرات، وهذا يعني أنه بإمكان الفرد تنمية دماغه من خلال التكرار.

تعريف التعلم التكراري

أكَّد العالم الأمريكي ادوارد لي ثورندايك في نظريته المعروفة بنظرية المحاولة والخطأ Trial and error theory ، أن التعلم عبارة عن ارتباطات بين المثيرات والاستجابات وأن المران أو التكرار أسَاسي للتّعلُّم ، فعندما يُواجه المتعلم موقفًا مُشكلًا في تَعلُّمه، ويُريد أن يَصل إلى هدفٍ معين؛ فإنه نتيجة لمحاولاته المُتكررة يُبقي استجابات مُعينة ويتخلص من أخرى، وبفعل التعزيز تُصبح الاستجابات الصحيحة أكثر تكرارًا وأكثر احتمالا للظهور في المُحاولات التالية مِن الاستجابات الخاطئة التي لا تُؤدي إلى حَلٍ للمُشكلة، وقد وضع ثورندايك قانون التكرار أو التمرين، والذي يرى من خلاله أنه اذا تكونت رابطة قابلة للتعديل بين المُثير والاستجابة وكانت العوامل الأخرى متعادلة؛ فإن التكرار يزيد من قوة هذه الرابطة .

ويُعرف أسلوب التكرار بأنه تكرار عرض وحدات المادة بموضوعات الحفظ والتذكَّر مع تعزيز المضمون لها من خلال معرفة النتائج .

وهو أحد الأساليب التعليمية التي يُمكن استخدامها في الصَف مَع المُتعلمين، والتي تعتمد على عرض المُحتوى المعرفي عِدة مرات بهدف تمكين المتعلم من استيعاب المادة وفهمها .

إذن التعلم التكراري هو أسلوب تعليمي سهل التطبيق، ويُسهّل عمليتي التعليم والتَعلُّم ، يتمثل في عرض المادة العلمية عدة مرات على المُتعلم، أو في تكرار بعض المهام التي يُؤديها المتعلم. يَهدف إلى البِناء التدريجي لأفكار المتعلم للوصول إلى فهم أفضل.

مداخل التعلم التكراري

يوجد مدخلين لتطبيق التعلم التكراري، وهما :
  • تكرار عرض المُحتوى المعرفي : ويَتمثل في عرض المعارف والمعلومات على المتعلم عدة مرات، مِثل تكرار المعلومة شفهيًا أو تكرار عرض فيديو تعليمي، بهدف تمكين المتعلم من استيعاب المادة العلمية وفهمها.
  • تكرار خطوات التعلُّم: ويتمثل في تكرار بعض خطوات التعلُّم التي يُؤديها المُتعلم، مِثل تكرار أداء المهام أو حل المسائل أو تكرار التجارب أو تكرار بناء النماذج، بهدف التخلص من الأخطاء والوصول إلى نتائج مثالية. ويُمكن الدمج بين الطريقتين أثناء تطبيق التعلُّم التكراري في الغرفة الصفية.

المبادئ التي يجب مراعاتها عند تطبيق التعلم التكراري

من المعروف أن الإنسان يحتاج إلى تكرار الأداء المطلوب لتَعلُّم خِبرة مُعينة حتى يتمكن من إجادة هذه الخبرة، ويُؤدي تطبيق التَعلُّم التكراري بالصورة الصحيحة في العملية التعليمية إلى الارتقاء بشخصية المُتعلم والعملية التعليمية، وذلك بالاستفادة من الخبرات الجديدة المكتسبة والأخطاء التي تظهر من التكرارات السابقة، إذ أن عملية التكرار العشوائية تُعتبر مضيعة للوقت والجهد، وتتسبب في جُمود عَملية التعلُّم، وتُؤدي إلى عَجز المُتعلم عن الارتقاء بمستوى أدائه، فالتكرار المفيد هو التكرار القائم على أساس الفهم وتركيز الانتباه والملاحظة الدقيقة ومعرفة معنى ما يتعلمه الفرد، والتكرار وحده لا يكفي لعملية التعلُّم؛ إذ لابد أن يكون مَقرونًا بِتَوجيه المُعلم نَحو الطريقة الصحيحة لتطبيقه، بهدف الارتقاء المُستمر بمستوى الأداء والإنجاز في العملية التعليمية .

وعدم وعي المُتعلم بأهمية التكرار يُؤدي إلى عدم توظيفه بالصورة المطلوبة ، وأن تَحسُّن الأداء فيه يتوقف على مدى الوعي بملاءمة طَريقته مَع الهدف المنشود مِن تطبيقه، وعلى التغذية الراجعة المُقدمة من قبل المُعلم ، ولكي يعمل التكرار على تذكر المادة العلمية واسترجاعها بطريقة سهلة ؛ ينبغي التعمق في مُستوى التحضير والتجهيز والمعالجة للمعلومات .

ومما سبق يُمكن استنتاج بعض المبادئ الأساسية لتطبيق التعلم التكراري وهي :
  • التَعلُّم التكراري عملية منظمة ومُخططة وليست عشوائية.
  • ضرورة الوعي بأهمية التعلم التكراري من قبل المعلم والمتعلم.
  • توجيه المعلم والتغذية الراجعة المُقدمة للمتعلم في كُل مراحل التعلُّم التكراري.
  • التركيز على جذب انتباه المتعلم ومُلاحظته الدقيقة، وإكساب معنى للتَعلُّم.
  • الاستفادة من الأخطاء في التكرارات السابقة وتعديلها.

أهمية التعلم التكراري

إن توظيف التعلُّم التكراري يعود بفائدة عظيمة على المتعلمين إذا مَا أَحسَن المُعلم توظيفه بصورة فاعلة داخل الغرفة الصفية، ولذا يتسم التَعلُّم التكراري بأهمية كبيرة في الجانب التربوي، ويُمكن إيجاز هذه الأهمية كما يأتي :
  • يُساهم في الكشف عَن مَعارف الطلبة وتعديلها وصقلها للوصول إلى نتائج مثالية
  • يعد طَريقة فاعِلة لتعزيز التفاعل بين المُعلم والمتعلم 
  • يُعالج ضَعف الانتباه لدى المتعلم 
  • يُسهّل على المُتعلم انجاز المهام الموكلة إليه، ويجعله أكثر سيطرةً عَليها مِن خِلال التكرار والتدريب 
  • يُساعد الطلبة ذَوِي صُعوبات التعلُّم على التوصل إلى الفهم الحقيقي للمادة العلمية، وبالتالي يُمكِّنهم مِن مُعالجة المُشكلات التي قد تواجههم في تعلُّمهم 
  • يساهم في عِلاج صُعوبات الذاكرة قصيرة المدى، حيث يُمكِّن المتعلم من استيعاب المعلومات وتحويلها إلى الذاكرة طويلة المدى 
  • يزيد من نسبة الاحتفاظ بالمعلومة، وبقاء أثر التعلم بشكلٍ أكبر ، وبالتالي تَحسُّن المستوى التحصيلي 

كَما يَرى بعض التربويون أن استخدام التعلم التكراري مِن خِلال تكرار بعض المهام التي يُؤديها الطلبة؛ يُمكن أن يُعزز فَهمهم وتحسين أدائهم مِن خِلال الاستفادة من أخطاء تكرار المهام وتعديلها ، وتُتيح عملية تكرار المهام للطالب التدرج في الاتقان، وتفادي الأخطاء، فبعد الانتهاء من بعض التكرارات يتم حفظ بعض الخطوات الصحيحة في الذاكرة ويمكن إعادة استخدامها في المحاولة اللاحقة 

تحميل المقال

اضغط 👈 هنا


Mohammed
Mohammed