المرونة المعرفية

المرونة المعرفية




يشار إلى المرونة المعرفية بوصفها أحد مكونات الوظائف التنفيذية التي يُطلق عليها مسمى المرونة المعرفية Cognitive Flexibility أو التحويل الذهني Shifting Cognitive sets ، أو المرونة العقلية أو تحويل الانتباه Attention Switching؛ أي القدرة على التنقل بين الحواس المختلفة السمعية والبصرية، أو انتقال المهام Task Switching كما تُعد وظيفة المرونة المعرفية معاكسة لسلوك التصلب أو الجمود.

والمرونة المعرفية هي أحد المتغيرات المهمة التي توفر للفرد حياة تتصف بالجودة العالية فمن يمتلك مستويات عالية من المرونة المعرفية يكون أكثر قدرة على النجاح، وإيجاد الحلول الفاعلة لما يواجهه من مشكلات اجتماعية وأكاديمية وسلوكية داخل وخارج غرفة الصف.

كما تؤثر المرونة المعرفية إيجابيًا في قدرة الطفل على التكيف، والتكيف مع مصادر الضغوط الداخلية والخارجية؛ إضافة إلى تأثيرها الإيجابي على الصحة النفسية والجسدية للفرد، كما تلعب دورًا مهما في التفاعل الاجتماعي مع الآخرين.

والمرونة المعرفية تشكل إحدى العمليات المهمة للوصول إلى حل لمشكلةٍ ما وهي مطلوبة لمواجهة التحديات الجديدة غير المتوقعة واغتنام الفرص عند ظهورها بشكل غير متوقع ؛ وهي حاسمة من الناحية النظرية، للاستعداد للمدرسة أكثر من معامل الذكاء ، وهى تتنبأ بالنجاح طوال سنوات الدراسة.

تعريف المرونة المعرفية

تعرف المرونة المعرفية بأنها قدرة الطفل على تبديل أفكاره؛ بهدف التكيف مع المواقف الجديدة؛ ويتضمن ذلك التغلب على المعتقدات والعادات السابقة؛ بهدف التكيف مع الوضع الجديد.

فالمرونة هي جانب من الوظيفة التنفيذية يسمح للفرد بالتفكير، والقيام بالسلوك المناسب؛ وذلك بما يتفق مع تغيير الحاجات الخاصة بالبيئة من حوله، وبما يتفق أيضًا مع خططه وأهدافه

ویری البعض أنها القدرة على تغيير أو تعديل الاستراتيجيات المعرفية التي يمتلكها الطفل لمعالجة المواقف الجديدة وغير المتوقعة، وهذا التعريف يتضمن ثلاثة عناصر أساسية :
  1. أولًا: أن المرونة المعرفية قدرة؛ وبالتالي يمكن أن يكتسبها الطفل من خلال التدريب .
  2. ثانيا: تغيير أو تبديل الاستراتيجيات المعرفية التي يستخدمها الطفل؛ والتي تعتبر سلسلة من العمليات العقلية لحل المشكلة؛ وتشمل تقييم الخصائص المختلفة للمثير، وتوليد البدائل والحلول والمفاضلة بينها؛ ومن ثَمَّ اختيار البديل أو الحل الأنسب 
  3. ثالثًا: يحدث هذا التغيير لمواجهة الظروف والمواقف الجديدة وغير المتوقعة

ويعرف Bilgin المرونة المعرفية بأنها العامل الذي يسهل وييسر على الطفل توافقه مع الأحداث والمواقف؛ وهذا العامل يسهم مساهمة كبيرة في حل المشكلات التواصل والتفاعل الاجتماعي. 

وأشار Stevens إلى المرونة المعرفية بوصفها القدرة على التكيف مع المواقف المختلفة والانتقال من فكرة لأخرى، أو القدرة على النظر للمشكلات المختلفة باستراتيجيات متعددة. 

وكما بين Davidson أن المرونة تتمثل في تغيير الاستجابات والاستراتيجيات عند الضرورة، أو عند تلقي التغذية الراجعة؛ أي إن الخطة الأصلية لم تكن صحيحة، أو بمعنى آخر تكييف وتوافق السلوك مع المواقف المتغيرة بسرعة ومرونة، وتغيير المنظومة الذهنية المتعلمة إلى منظومة جديدة، وأول خطوات التحويل أو المرونة المعرفية هو تكوين تصور للقاعدة؛ قد يكون هذا التصور استراتيجية معينة لحل المشكلة في الذاكرة العاملة، ثم الانتقال بمرونة إلى قاعدة جديدة تتضمن كف قاعدة تم تكوينها سلفًا.

مما سبق يمكن تعريف المرونة المعرفية على أنها: العامل الذي يسهم في تقبل التغيير، والمرونة في حل المشكلات، وتحويل الانتباه من مثير لآخر ، أو من نشاط للآخر، والانتقال بسهولة من موقف إلى موقف لآخر حسب المتطلبات ؛ مما يؤدي إلى حدوث تكييف للسلوك مع المواقف المتغيرة بمرونة؛ مما يسهم في إقامة علاقات اجتماعية مع الآخرين وحل مشكلات التواصل.

أهمية المرونة المعرفية

تتبلور أهمية المرونة المعرفية فيما يلي :
  • تساعد الفردعلى التكيف والتقييم الصحيح، وإصدار الأحكام بموضوعية وتحمل المسئولية عن تلك الأحكام.
  • تقلل من حدة التوتر والضيق الناجم عن المشكلات والأزمات، وتزيد من صفاء الذهن؛ مما يعجل بإيجاد حلول للمشكلة.
  • تنبع أهمية المرونة من تناسبها العكسي مع مستوى التوتر الذي يعاني منه الطفل؛ أي كلما زادت المرونة ؛ كلما قل التوتر ، وتشكل المكانة المركزية في عمليات التكيف.
  • زيادة قدرة الطفل على التفاعل بإيجابية مع الآخرين، والتحرر من الاندفاع.
  • تسهل اكتساب المعرفة، وتؤثر على اكتساب المعرفة، وتؤثر على حل المشكلات الديناميكية المعقدة، وعلى تكييف استراتيجيات الأطفال للتغير غير المتوقع في بيئتهم.
  • تساعد في تغيير مستوى ضبط الانتباه، أو في تمثيل المهام التي تؤدي إلى تغيير الاستراتيجيات لدى الطفل.
  • تساعد الطفل على أن يكون متزنًا في أمور حياته، ويبتعد عن التطرف في الحكم على الأمور، واتخاذ القرارات ومسايرة الآخرين في بعض المواقف وفق قناعته التي تتطلب نهجًا ديمقراطيًّا، وأن الشخص المعتدل المرن هو الشخص القادر على تقبل الاختلاف دون الانغلاق على مجموعة خبراته أو تصوراته.
  • تجعل المتعلم أكثر إيجابية في تعامله مع ما يدور حوله من موجودات وخبرات؛ فنظرته الإيجابية في الحياة هي التي تحدد أيضا مكانته، وقيمته الاجتماعية في الحياة؛ لأنها سبب في العمل والحركة؛ فالنظرة إلى الأشياء عند الطفل ينبغي أن تتسم بالإيجابية والتطلع والاستفسار عن الأشياء الغامضة؛ أي يكون لديه حب استطلاع .
  • تساعد على التوازن الفعال؛ وهو الذي يكون العلاقات الإنسانية ، فالشخص المرن يمتلك خاصيتي التوازن والاتصال اللتين تنجمان عن تفاعله مع الآخرين، حيث إن تنمية المرونة المعرفية لدى التلاميذ ذوي المرونة المنخفضة تساعدهم على تغيير سلوكهم؛ وبالتالي سهولة التكييف مع المواقف الجديدة، أو الغير متوقعة، ويكون التعلم أكثر فعالية .
إذن المرونة المعرفية تحتل مكانة بارزة في إحداث التوافق والتكيف بسهولة مع المحيط الاجتماعي، ومع متطلبات الحياة المتغيرة؛ مما يساعد على تنمية تفهم الذات، والبعد عن التصلب الفكري، والتمسك برأي معين، وتكوين علاقات إنسانية مع الآخرين تمتاز بالتفاهم، وتقبل وجهات النظر الأخرى وتنعكس بشكل إيجابي على صحة الطفل النفسية، وتفاعله الاجتماعي؛ من خلال إيجاد حلول لما يواجهه من مشكلات، وتتناسب المرونة المعرفية بصورة عكسية مع التوتر؛ لأنها تمكننا من الإفادة من خبراتنا السابقة في التعامل مع المواقف الحياتية الجديدة، وتجعلنا أكثر إيجابية في التعامل مع الآخرين وبدونها يظهر العديد من المشكلات الاجتماعية والشخصية والأكاديمية.
تابع القراءة في الصفحة الثانية

أنواع المرونة المعرفية

وضحت دراسة Nutly أنواع المرونة المعرفية كما يلي :
المرونة التكيفية Adaptive Flexibility :
وتُعرف على أنها قدرة الطفل على التغير في أساليب تفكيره حينما تواجهه مشكلة معينة، ويُطلب منه حلها، ولا يأتي ذلك إلا عن طريق التغير في وجهته المعرفية دون التقيد بإطار معين، ويمكن أن ننظر إليها باعتبارها الطرف الموجب للتكيف العقلي.

المرونة التلقائية Spontaneous Flexibility :
تُعد المرونة التلقائية المكون الثاني للمرونة المعرفية، وتُعرف على أنها القدرة على إنتاج أكبر قدر ممكن من الأفكار المتنوعة حول موقف ما ؛ مثل الاستخدامات غير التقليدية لأشياء يستخدمها الطفل، كما أنها قدرة الطفل على السرعة في إنتاج أكبر عدد ممكن من الأفكار المتنوعة تجاه موقف معين، وتُقاس المرونة التلقائية في مدى سرعة إنتاج الأفكار من الطفل؛ بناءً على استعداده الانفعالي. 

يمكن القول أن المرونة التكيفية تعني قدرة الطفل الإيجابية على التكيف مع مؤثرات الحياة اليومية، وانتقاء الاستجابات الملائمة، وتجعل الطفل قادرًا على إقامة علاقات اجتماعية إيجابية ناجحة جديدة مع من حوله، ومع البيئة المحيطة، والبعد عن الجمود الذهني، بينما المرونة التلقائية؛ فهي تشير إلى قدرة الطفل على التوصل للعديد من الأفكار المتنوعة، ودراسة الموقف أو المشكلة التي تواجههم ووضع الحلول الجديدة المبتكرة، واتخاذ القرارات المناسبة تجاه المواقف المختلفة .

مكونات المرونة المعرفية

تتكون المرونة من ثلاث مكونات أساسية كما وضحتها دراسة Dunning, وهي كما يلي :
  1. الترميز المرن Flexible encoding : وهو قدرة الطفل على ترميز كل مثير باستعمال تعريفات عديدة.
  2. التجميع المرن Flexible Combination : توليد تكتيكات متعددة للحل من خلال التفكير الاستقرائي؛ أي البدء بالعناصر المتوفرة من أجل الوصول للحل.
  3. المقارنة المرنة Flexible Comparison: تغيير الحلول التكتيكية كلما حدث تغير في المهمات؛ حيث يقوم الطفل باختيار عناصر معينة للحل، ومقارنتها بعدة أنماط أخرى.

بنية المرونة المعرفية

قدم Anderson نموذجًا للوظيفة التنفيذية لبنية المرونة المعرفية؛ يتحدد فيه الأداء التنفيذي بأربعة مجالات هي: التحكم الانتباهي، وتجهيز المعلومات والمرونة المعرفية، ووضع الأهداف؛ وهي تتصل جميعًا بأنظمة الفص الجبهي في المخ.

ويؤكد Ionescu على أن المرونة المعرفية تعتمد على نوعين من التفاعلات: 
✔(1) تفاعل العديد من الميكانيزمات المعرفية 
✔(2) تفاعل الميكانيزمات الحس حركية، والمعرفة، والسياق، وفي هذا السياق يحتاج الطفل إلى الوعي بالتفاعلات لفهم المرونة المعرفية. 
فعلى المستوى المعرفي يكون تفاعل ميكانيزمات مختلفة أو مكونات معرفية؛ مثل: الوظائف التنفيذية، والانتباه والتمثيلات، والإدراك، وربط المهام بالأهداف والمراقبة والخبرة السابقة وعلى مستوى الطفل يكون تفاعل الميكانيزمات الحس حركية مع المعرفة والسياق.

نظرية المرونة المعرفية لـ سبيرو وزملائه Spiro et al

إن الشخص الذي يكلف بأداء مهمة ما ؛ فإن سلوكه يجب أن يكون متكيفًا مع الظروف البيئية، غير أن الظروف تتغير أثناء أداء المهمة؛ وهذا يعني أن الشخص المكلف بأداء المهمة يجب أن يكون ذا تركيز عال، وبشكل مستمر ؛ لكي يكون مرنا ، وهذا يعني أن المرونة المعرفية تعتمد على عمليات الانتباه، وأن الشخص يحتاج إلى مستوى من السيطرة الانتباهية عند الكشف عن تغيير في الموقف؛ لذا عليه أن يلاحظ الظروف التي تتداخل مع مهمته، وأن يستعمل التدابير بشكل فعال.

وفيما يلي عرض لمبادئ هذه النظرية :
  • تجنب التبسيط : تتضمن المرونة المعرفية الاستخدام الانتقائي للمعرفة لتناسب احتياجات الطفل للفهم، واتخاذ القرار لموقف معين، فالتبسيط يؤدي إلى تقسيم المفهوم إلى أجزاء أقل تعقيدًا .
  • تمثيلات متعددة : تعتمد المرونة المعرفية على وجود أساليب تفكير متنوعة لموضوع ما، فالتمثيلات المتعددة تساعد الطلاب على تنويع الفهم النظري والتفكير مع المداخل ذات الصلة .
  • مركزية الحالات : عندما تكون المعرفة المراد اكتسابها معقدة جدًّا، وغير منتظمة (لها جوانب ذاتية متعددة الأبعاد)، تصبح الأمثلة والأفكار الداعمة مهمة جدًّا.
  • المعرفة المفاهيمية : كمعرفة للاستخدام لتحقيق فهم أعمق للمعرفة المجردة، يجب أن يحول الطلاب انتباههم لتحديد كيفية استخدام المعرفة النظرية في الممارسة العملية؛ مما ييسر فهم التغير في المفاهيم المجردة .
  • تركيب المخططات : لا يمكن استرجاع المعرفة المعقدة بشكل سليم، وبالنسبة لاكتساب المعرفة المتقدمة للمفاهيم متعددة المستويات يجب التركيز على البنى المعرفية المرنة .
  • الترابط المتعدد : لا يمكن تمثيل المعرفة المجردة في أقسام منفصلة من التعليمات فيجب أن تكون تمثيلات المعرفة مترابطة؛ فترابط المفاهيم المتعددة يؤدي إلى اكتساب المعرفة المتقدمة
  • المشاركة النشطة والتوجه لإدارة التعقيد : إن اكتساب المعرفة المعقدة، ومشاركة المتعلم النشطة أمر هام؛ كالمعلم الذي يقدم التوجيه هذه العلاقة بين المعلم والطالب تساعد في إدارة تعقيد المعرفة .

Mohammed
Mohammed