الرسوب المدرسي وبدائله

الرسوب المدرسي وبدائله




تاريخ الرسوب

لم تصل الإنسانية إلى إيجاد المدرسة على الشكل الذي نراه اليوم إلا بعـ أن مرت بمراحل طويلة وتجارب عديدة ليس هذا مكان البسط فيها. لكن التعليم كان ممزوجا بكل ظروف الحياة الاجتماعية العائلية منها والدينية والاقتصادية والحربية والسلمية والمهنية من زراعية وصناعية . 

ولم يكن هناك دور خاصة للتربية والتعليم بل كان الرسل يدعون قوم ليلا ونهارا في كل مكان. وبقي الأمر كذلك إلى أن أسس الرسول صلى الله عليه وسلم في يثرب المسجد الذي كان أول مدرسة جماعية منظمة في الإسلام لتعليم الكبار والصغار الرجال والنساء. وبدأ المسجد يأخذ دورة التعليمي في العصر الإسلامي. والمتتبع للتاريخ الإسلامي يجد أن التعليم كان في المساجد والجوامع، والكتاتيب والمدارس، المعاهد ودور الحكمة ودور العلم ودور الكتب والمنتديات 

أما نظام التعليم في هذه المؤسسات فكان مختلفا باختلاف الزمان والمكان . والمتتبع لهذه المدارس يجد أن ما يسمى ب " الإجازة العلمية" كانت هي المعيـار لتأهيل الفرد لشغل وظيفة ما وانتقاله من مكان لآخر فمثلا يشهد العالم الفلاني لأحد طلابه بالقدرة على تدريس كتاب معين ويكتب له ما يفيد بذلك، ولم تكن هذه الشهادة تعطى إلا بعد شعور صحيح بقدرة هذا المدرس الجديد وبعد مرافقته الشيخ مدة طويلة .

لكن المتتبع لما يسمى بالرسوب يجد أن تاريخ الرسوب ارتبط بإنشاء المدارس النظامية في بداية القرن التاسع عشر الميلادي، وبعبارة أخرى عندما بدأ ما يسمى ب "الفصل الدراسي" يحل محل الحلقات العلمية المفتوحة. (Rose and 1983 ,others). كما يرى روس وآخرون (Rose and Others) أن الرسوب يعود إلى القرن السادس عشر الميلادي وأنه بدأ في بريطانيا، وتعتبر دراسة لونارد عام 1909 ,Leonard Ayers أول دراسة شاملة حول الرسوب تليها دراسة شارلس كي عام 1911 ,Charles Keyes.

وعند الحديث عن تاريخ الرسوب فإنه يمكن القول أن الرسوب مر بثلاث مراحل وهي :
  1. مرحلة بداية تقسيم المدرسة إلى فصول دراسية.
  2. مرحلة النقل الآلي Social Promotion
  3. مرحلة تأسيس معيار لحصول الطالب المهارات الأساسية. (Competency based Education)

أولا: مرحلة بداية تقسيم المدرسة إلى فصول دراسية

يرى والكر 1984 Walker أن ما يسمى بالفصول الدراسية (Graded Classes) بدأ في ولاية ماشتيوستس في عام 1848م ، وكان الهدف من هذا النظام هو تصنيف الطلاب في المدرسة بناء على أعمارهم، القدرة التعليمية، النضج. ويرى كل من هو لمس و ماثوس 1984 وبيوكو 1986 ( Holmes 1986 ,Matthews, 1984; Bucko) أن فكرة الرسوب انطلقت من هذا النظام الجديد وبدأ نقل الطلبة من فصل لأخر بناء على القدرة العلمية. ولقد كان المعيار واضحا ومحددا بحيث أن الطالب الذي لا يستطيع الحصول على درجة معينة في مادة معينة يكون مصيره البقاء في الفصل نفسه حتى العام التالي. وكان الاهتمام بما يسمى بالفروق الفردية في تلك الفترة على نطاق ضيق جدا على د تعبير ليندفق ( 1983 ,Lindvig). وللمدرسة السلوكية أثر كبير في تلك الفترة، ذلك أن من أهم مبادئ المدرسة السلوكية التركيز على الأهداف. وعند الحديث عن التقويم تركز هذه المدرسة على ما يسمى باختبار المحك Criterion References والذي يعني ضرورة إتقان الطالب لمهارة معينة لكي ينتقل إلى المهارة الأخرى وبناء عليه فإن انتقال الطالب من فصل لأخر مرتبط بإتقانه للمهارة الأولية.

ونتيجة لهذا التوجه كثر الرسوب في المراحل الأولى خاصة ووصل في بعض المدارس إلى نسبة 60% . وفي دراسة مسحية قام بها روس وآخرون (1983 ,Rose and Others) خلص فيها إلى أنه بوصول الطلاب إلى الفصل الثامن (الثاني متوسط) فإن أكثر من 50% منهم سبق وأن سبق وأن رسب في دراسته مرة على الأقل. وعلى صعيد الجانب الاقتصادي فإن هذه المرحلة أدت إلى تذمر المتخصصين في الاقتصاد التربوي، ذلك أن جزءا ليس باليسير من ميزانية المدارس يصرف على الطلاب الذين سبق وأن أعادوا نفس السنة مع الاعتقاد في تلك الفترة بعدم الجدوى. استمرت هذه الفترة حتى بداية العقد الرابع من القرن العشرين ( 1930 - 1940م ) وبدأ التذمر من التربويين من هذه النتائج والتي قادتهم إلى المرحلة القادمة.

ثانيا : مرحلة النقل الآلي (Social Promotion) 

نتيجة لكثرة الرسوب في العقود الأولى من القرن التاسع عشر الميلادي، بدأ هناك تغير في الاتجاه حول وظيفة المدرسة وساعد على هذا الدراسات النفسية التي تهتم في الفرد وشعوره وانتمائه الاجتماعي وكذلك طموحاته. ونتيجة لهذا الاتجاه ظهر ما يسمى في النقل الآلي (Social Promotion ) والذي ينادي بضرورة المساعدة في نقل الطالب من مستوى لآخر ولو لم يحصل على الدرجة المطلوبة الأخذ بعين الاعتبار ضرورة إعطاء الطالب بعض الدروس الخصوصية التـ تساعد الطالب أن يساير أقرانه في المستوى التالي .

ونتيجة لهذا التوجه وفي منتصف القرن العشرين بدأت نسبة الرسوب فـي النزول على حد تعبير بيوكو (1986 ,Bucko). لكن هذا التوجه أدى إلى تخريج طلبة ضعاف وغير قادرين على شغل الوظائف التي من أجلها تم إعدادهم. وقد أدى هذا إلى عدم رضا التربويين مرة أخرى عن الوضع القائم ثم عدم رضا المجتمع وكذلك أصحاب المصانع والشركات التي كانت تبحث عن العمالة المؤهلة تأهيلا حقيقيا ونتيجة لهذه الصيحات بدأت المناداة بما يسمى بمرحلة التعليم المبني على الكفاءة (Competency based Education ).

ثالثا : مرحلة تأسيس معيار لحصول الطالب المهارات الأساسية

مع بداية العقد السادس من القرن العشرين بدأت التساؤلات من التربويين حول فاعلية ما يسمى بالنقل الآلي الذي أدى إلى عدم قدرة الطلاب على إتقان المهارات الأساسية التي من أجلها تم إعدادهم، ونتيجة لهذا نادى التربويون بضرورة إتقان الطلاب للمهارات الأساسية ووضع معيار واضح ودقيق يبنى عليه الانتقال إلى المرحلة الأخرى. وفي تلك الفترة بدأت المناداة بما يسمى التعليم من أجل الكفاءة (Competency based Education.). (روس وآخرون , 1983 Rose and Others)

ويقصد بالتعليم من أجل الكفاية هو أن يقوم المعلم بتعليم طلابه مضمون المادة الدراسية، كما أن المعلم مطالب بتدريس هذه الوحدة المضمون - تدريسا متقنا وجيدا. وبالجملة فإن هذا النوع من التعليم يركز على أربعة عناصر أساسية وهي:
  1. أن يحدد المعلم ما الذي يجب أن يتعلمه طلابه.
  2. أن يعلم (يدرس) المعلم ذلك تدريسا جيدا.
  3. أن يتأكد المعلم أن من أن طلابه تعلموا هذا المضمون.
  4. أن يتقن الطلاب ما تعلموه (ما درسوه).

وتجدر الإشارة إلى أن المدرسة الإنسانية (Humanistic Approach) تنتقد هذا النوع من التعليم بأنه عملية مجردة خالية من الصفات الإنسانية. ويرى بعض معارضيه بأنه يركز على المهارات التي يجب تعلمها أكثر من تركيزه على الفرد الذي نعلمه. كما أن من المعارضين من يرى أن التعليم المبني على الكفاية يكبــــــت إبداعية المعلم والتلميذ على حد سواء. لكن المؤيدون للتعليم المبني على الكفاية يردون على تلك الاتهامات بأنها لا تقوم على أدلة علمية تربوية. وعليه فإنه يمكن القول أن هذا النوع من التعليم له قواعده وأصوله القائمة وقد يكون مناسبا في تعليم بعض المهارات دون الأخرى.

والمتتبع لهذا النوع من التعليم يجد أن المدرسة السلوكية لعبت دورا كبيرا في تشكيل هذا المفهوم الجديد في التربية. وفي تلك الفترة بدأ التركيز على الأهداف السلوكية وقررت في مواد الإعداد التربوي في كليات المعلمين والجامعات. مما اضطر المدرسين إلى ضرورة إتقان صياغة الأهداف لضمان القدرة على تحقيقها داخل الفصل الدراسي (1990 ,Fitzwater).

ونتيجة لهذا التوجه زادت نسبة الرسوب بين الطلاب وخاصة في المراحل الأولى من المرحلة الابتدائية، بل على وجه التحديد في الصف الأول الابتدائي وترجع ترينر (1990 Trainer) السبب إلى رغبة التربويين بضرورة إتقان الطلاب المهارات الأساسية في هذه الصف وإن تطلب الأمر الإعادة لاسيما وأن الرسوب في هذه المرحلة لن يؤدي إلى اتجاه سلبي تجاه المدرسة لدى الطالب، لأن الطالب أو الطالبة في هذه المرحلة - بناء على وجهة نظر المؤيدين لهذا التوجـ أمثال ترينر -وغيرها لا يدرك قيمة الفشل الحقيقي كما يدركه الشـخـص في المراحل المتقدمة من عمره.

فلسفة الرسوب والنجاح

بالإضافة إلى ما سبق ذكره وبالنظر إلى الدراسات والبحوث التي تناولت الرسوب خلصت إلى أن هناك أهدافا عدة للرسوب من أهمها ماذكره شاني (Cheney & Boyer, 1933) :
  1. يتعلم الطلبة من الرسوب الجدية والعمل من أجل النجاح مستقبلا. 
  2. يساعد الرسوب وخاصة في المراحل الأولى على تكوين أساس علمي قوي لدى الأطفال. 
  3. نقل الطالب إلى مستوى أعلى ( بدون كفاية ) يؤدي إلى وجود فصل دراسي غير متجانس مما يصعب فيه طرق التدريس أو نزول معيار التحصيل من أجل هؤلاء الطلبة.
  4. نقل الطلبة إلى مستوى أعلى( بدون كفاية )ىيؤدي إلى إخفاق الطلبة في الاختبارات المعيارية المخصصة لنفس المرحلة مثل اختبار ستانفورد Stanford Achievement Test و اختبار أيوا للمهارات الأساسية Iowa Test for Basic Skills
  5. بعض الطلبة غير قادرين على تعلم مهارات عليا والتي تدرس في المستوى اللاحق حيث أنهم لم يحصلوا على الأساسيات اللازمة لها. 

لكن المعارضين لفكرة الرسوب لهم وجهة نظرهم الخاصة في ضرورة نقل الطالب إلى الفصل الآخر مع بعض التنازل عن المعيار الأساسي للنقل، ويبرر أصحاب هذا التوجه بالمبررات التالية :
  1. لابد أن ينقل الطلبة إلى المستوى اللاحق لاسيما إذا أتقنوا ما يستطيعون إتقانه.
  2. الرسوب يؤدي إلى ضغط الطلبة نفسيا مما قد يؤدي بهم إلى ترك المدرسة.
  3. أن الرسوب ما هو إلا عامل واحد فقط من عوامل كثيرة تؤثر في تحصيل الطلبة، وبناء عليه فلا ينبغي أن يكون أساسا في الحكم في تحصيل الطلاب.
  4. الرسوب يؤدي إلى تكلفة مادية. 
  5. الرسوب يؤدي إلى عدم تجانس الطلبة في المستويات المتقدمة من حيث العمر أو النضج الإجماعي (1983,Phillips). 

وبالنظر إلى نقاط الخلاف بين كلا الفريقين ذكر كوفيلد( 1954 ,Coeffield ) إلى أن الخلاف يتركز في النقاط التالية : 
  1. إذا لم يوجد معيار يتم على أساسه تمييز الطلبة فإنهم سوف يفقدون قيمة الدراسة و تقدير العمل الجاد.
  2. الرسوب يساعد الطلبة على مواجهة متغيرات الحياة بقوة. 
  3. النجاح مع عدم القدرة لا يساعد الطلبة على العمل بجد ولن يزيد من مستوى ذكائهم أو قدرتهم على التحصيل.
  4. الطلبة الناجحون مع عدم القدرة دائما يكونون في مؤخرة الصف من حيث التحصيل.

وقد تساءل قريفس (1996,Graves) عن المعيار الذي يتم على أساسه الرسوب والنجاح؟ وما العوامل التي تؤثر في هذا المعيار؟ ثم أشار إلى أن المدير والمشرف يلعبان دورا أساسيا في هذا الجانب. وبعبارة أخرى فبعض المديرين والمشرفين يمارسون سياسة الضغط على المعلمين بضرورة تنجيح هؤلاء الطلاب الذين لو ذهبوا إلى مدرسة أخرى لم يكون النجاح حليفهم. ثم إن المعلمين أنفسهم يختلفون في وضع الدرجات وفي التصحيح. ومن هنا يمكن القول بأن سياسة الرسوب غير واقعية وتفتقد إلى المصداقية، وهي بحاجة إلى دراسات تؤسس القواعد الأساسية لهذه المشكلة.

وبناء على ما سبق يتضح أن هذه القضية هي إحدى القضايا التربوية التي لازالت في حلبة النقاش، والذي يظهر من خلال تتبع الدراسات التي تناولت مفهوم الرسوب أن هناك تأثرا تاما في الفلسفات والمنطلقات. فالمنظرون المنطلقون من المدرسة الاجتماعية لا يؤيدون الرسوب أما المنطلقون من المدرسة السلوكية فهم يؤيدون الرسوب بهدف الإتقان.

الجوانب الإيجابية والسلبية في الرسوب

مما لاشك فيه أن لكل قرار جوانب سلبية وأخرى إيجابية، ولكن في بعض الأحيان تتساوى هذه الجوانب وفي أحيان أخرى تكون الجوانب السلبية أكثر من الإيجابية أو العكس. وإذا كان الأمر كذلك فلا مانع من استعراض أراء التربويين في الجوانب الإيجابية والسلبية في الرسوب.

أولا : الجوانب الإيجابية

أشار مكافي 1981 McAfee إلى أن الهدف الأساسي من الرسوب هو الرغبة في إتقان الطلاب المهارات الأساسية التي ينبغي منهم إتقانها في نفس الفصل. وقد قام مكافي بدراسة واسعة استمرت سنتين من عام 1977- 1979 وشملت الصفوف من أول ابتدائي إلى الصف الثالث المتوسط. وقد خلص إلى أن الرسوب ذو فاعلية في المرحلة الابتدائية ، لكنه غير فعال في المرحلة المتوسطة.

وفي دراسة مماثلة أجراها كرزنر Kerzner 1982 على طلاب المرحلة الابتدائية والمتوسطة ، قارن فيها الباحث درجات الطلاب في السنة التي تلي السنة التي رسبوا فيها مع درجاتهم السابقة ، وجاءت نتائج هذه الدراسة بأن درجات الطلاب زادت وتحسنت إلى الأفضل بالنسبة لطلاب الصف الأول إلى الصف الخامس الابتدائي، أما ما بعد ذلك (من الصف السادس إلى الثالث متوسط) فليس هناك تحسن واضح . ولهذا جاءت توصيات الدراسة بتأييد الرسوب في الصفوف الأولى من المرحلة الابتدائية. 
انتقل إلى الصفحة التالية

ثانيا : الجوانب السلبية

عند الحديث عن الجوانب السلبية في الرسوب فإنه يفضل عرض كل نقطة على حدة لكي تتضح الصورة أكثر ومن أهم الآثار السلبية التي تطرق لها الباحثون في الرسوب ما يلي : 

أولا: تأثير الرسوب على اتجاهات المدرسين 

أشار ساندن (1944 ,Sandin) إلى أن المدرسين عادة يبنون اتجاها سلبيا نحو الطلاب الراسبين، وهذا الاتجاه قد يصل إلى أن يقوم المدرسون الطلاب بناء على قدراتهم وبالتالي ينظر إلى الطالب الراسب على أنه ضعيف أصلا وغير قادر على مسايرة الطلاب (1954 ,Lobdell) . ومن هنا يتم تصنيف الطلاب ويكون الرسوب عامل ضرر الطالب بدلا من أن يكون عاملا مساعدا ، هذا وقد أشارت فرازیر 1978 Frazer في دراستها والتـ كانت بعنوان "اتجاهات المدرسين حول الرسوب والطلبة الراسبين" إلى أن 36 % من المدرسين يعتقدون أن الطلبة الراسبين يسببون إزعاجا للفصل وأنهم عناصر غير مرغوب فيهم داخل الفصل الدراسي.

ثانيا : تأثير الرسوب على اتجاهات الطلاب 

للرسوب تأثير كبـير علـ اتجاهات الطلبة نحو أقرانهم أو نحو المدرسة أو حتى تجاه المادة التـ سبق أن رسبوا فيها أو تجاه المدرس . فاتجاه الطلاب نحو أقرانهم الجدد يكون مميزا ولهذا فأن الطلبة الراسبين عادة ما يشعرون بالخجل من زملائهم الجدد، مما يضطرهم إلى الاستمرار بمصاحبة أقرانهم السابقين والذين عادة في سنهم ، وهذا لاشك يجعل استخدام طرق التدريس المتمركزة على التعليم الجماعي أقل فاعلية. ( ,Morrison 1956). أما اتجاه الطلاب نحو المادة التي سبق أن رسبوا فيها فغالبا ما يكون اتجاها سلبيا، وتزداد هذه السلبية إذا درس هذه المادة نفس المدرس السابق (Phillips,1983)

ثالثا : تأثير الرسوب على سلوك الطلاب

إن المتتبع للدراسات التي تناولت الآثار الاجتماعية الناتجة عن الرسوب يجد أن لها عواقب سلبية ومنها الرفض الاجتماعي من الأقران، وقد ذكر بدوين (1954 Bedoian) أن الراسبين عادة :
  • لديهم ضعف في التقبل الاجتماعي.
  • لديهم المعارضة الدائمة وعدم التقبل في الفصل الدراسي.
  • مجهولين في الأنشطة الصفية.
  • يكرهون الحيوية والنشاط.
  • يجنحون إلى السرقة.
كما يضيف قودلاد ( 1952 ,Goodlad) النقاط التالية :
  • معارضين للعلم نفسه.
  • غير مرتاحين مع الزملاء الجدد.
  • سريعي الغضب والانفعال.
  • دائما يرهبون ويهددون الطلاب الجدد.

رابعا : تأثير الرسوب على التسرب الدراسي

من الثابت تربويا - إن صح التعبير أن الرسوب وخاصة في المراحل المتقدمة (المتوسطة والثانوية) يقود إلى التسرب. هذا وقد أشارت فرازير ( 1978 ,Frazier) في دراستها السابقة والتي كانت بعنوان " اتجاهات المدرسين حول الرسوب والطلبة الراسبين" إلى أن 48% من المدرسين يعتقدون أن الرسوب يساهم في تسرب الطلاب من المدرسة. كما جاء في دراسة هامشك Hamache 1972 إلى أن 74% من الطلبة المتسربين من المدرسة سبق لهم وأن رسبوا خلال الأربع أو الخمس السنوات الماضية، ثم يضيف بقوله أن أسباب تسرب هؤلاء الطلبة هو عدم قدرتهم على تقبل الرسوب ، والذي بدوره أدى إلى تحطيمهم ذاتيا وعن أسباب التسرب أشارت حلقة الدراسة التي قامت بها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (1973م) أكدت جميع الدراسات أن مشكلة التسرب ترجع إلى عوامل اجتماعية واقتصادية وتربوية. وقد ذكر ابراهيم (1411هـ) أن الدراسات التي تناولت العلاقة بين الرسوب والتسرب أكدت الارتباط بين ترك الدراسة والرسوب وأن معظم الدراسات وجدت أن عددا كبيرا من المتسربين في مراحل التعليم المختلفة هم من التلاميذ المعيدين.

وعلى صعيد العالم العربي فقد نظمت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بالتعاون مع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (1989م) ندوة بعنوان ظاهرة التسرب من التعليم الابتدائي في الوطن العربي كان من نتائجها أن من انعكاسات ظاهرة التسرب - التي جاءت نتيجة للرسوب - تشمل :
  • انعكاسات تربوية : وتتمثل في انتشار الأمية بجميع أبعادها بين أفراد المجتمع، وعدم النضج الاجتماعي ومحدودية التعليم لدى هؤلاء الأفراد. 
  • انعكاسات اجتماعية : فالمتسرب يكون أقل قدرة على المشاركة في بناء المجتمع من حوله، ويكون رافد يغذي ركب التخلف في البيئة التي يعيش فيها.
  • انعكاسات اقتصادية : فالطالب الذي تزود في المعارف يكون أقدر من غيرة على العمل والإنتاج، وبالتالي يكون أفعل في بناء اقتصاديات المجتمع من حوله وتطويرها بشكلها السليم. 
  • انعكاسات نفسية: وتتمثل في أن المتسرب غالبا ما يواجه مشاكل تكيفية مختلفة، أو ممن يتصفون بالقلق والإضطراب.

خامسا : تأثير الرسوب على تحقيق وتقدير الذات لدى الطلاب

من النتائج السلبية للرسوب ما يسمى بضعف تحقيق الذات وما يسمى أيضا بالثقة في النفس أو تقدير الذات . والمتتبع لهذه الآثار يجد أنها واضحة في البيئة المدرسية في وجوه الطلاب ، وفي الحقيقة فإن مقارنة هذه النتيجة والتي تمخضت عن الرسوب ( عدم الثقة في النفس ، و عدم الشعور في الذات ، والتحطيم النفسي ، وكذلك الضغط النفسي ) مع الفائدة من الرسوب ( إن وجدت) فإن الآثار السلبية أكثر وأكثر (1992 ,Reed).

وفي دراسة قام فيها ياماتو 1980 ,Yamamoto حول " الأطفال تحت الضغط النفسي" أشار فيها أن الطلبة أشاروا إلى أن الضغط النفسي الناتج عن الرسوب أكثر أثرا من أي عامل أخر . ولا يساوي الضغط النفسي للرسوب إلا فقدان البصر أو الوالدين.

إضافة إلى ما سبق فقد أشارت بارنز 1989 Byrnes في دراستها التي قابلت فيها مجموعة من الطلبة الراسبين إلى أن 87% من الطلبة الراسبين يعتقدون أن الرسوب سبب لهم عدم الرضا عدم الارتياح الضغط النفسي....الخ ، أما 6% فهم راضون عن نتيجتهم في الرسوب.

أسباب الرسوب

من الأسباب التي تؤدى إلى الرسوب والتي ذكرها التربويون في بحوثهم على وجه الإجمال، هي :
  • ضعف نسبة الذكاء لدى الطلاب.
  • ازدحام الفصل الدراسي.
  • عدم استخدام الطريقة المناسبة للتدريس. 
  • المستوى الاجتماعي للطالب.
  • المستوى الاقتصادي.
  • عدم الإعداد الكافي للمدرس.
  • حضور الطلاب وغيابهم أثناء الدراسة.
  • عدم أداء الواجبات المنزلية.
وفي عالمنا العربي تبرز أسبابا أخرى ذكرها ابراهيم (1411هـ) وأهمها مايلي:
  • ضعف التوجيه التعليمي للطلبة.
  • قصور نظام الامتحانات حيث أنها تركز على الحفظ والاستظهار.
  • افتقار بعض المناهج للتشويق.
  • ندرة استخدام الطرق الحديثة في التعليم.
  • ضعف الصلة بين المدرسة والمنزل.
  • استخدام معلمين غير مؤهلين نفسيا ومهنيا للقيام بأعباء التدريس.

بدائل الرسوب

إذا كان الأمر كذلك فما الحل للطالب الذي أمضى سنة كاملة في فصل معين ولم يتقن المهارات الأساسية الواجب إتقانها في هذا الفصل؟ عند الإجابة عن هذا السؤال وبعرضه على البحوث التربوية نجد أن الخيارات والبدائل ما هي إلا مقترحات لم تختبر بعد ولم تخضع للتجربة بعد على حد تعبير ترينر 1990 (Trainer)

أولا : من البدائل ما اقترحه ليبرمان Lieberman1980 بوضع مرحلة انتقالية بين الفصل الذي رسب فيه الطالب وبين الفصل الذي ينبغي أن ينتقل إليه، وفي هذا الفصل يدرس الطلبة مواد مستقلة لاهي من مواد الصف السابق أو اللاحق (مثلا أول أو ثاني ابتدائي) ويتم التركيز في هذا الفصل ( الانتقالي) على المواد التي أخفق الطلاب فيها كما يعد الطلبة للمواد المستقبلية التي سوف يدرسونها في الفصل اللاحق وبهذا يحتاج الطالب الراسب إلى ثلاث سنوات ينهي السنة الأولى والثانية ابتدائي. وهذا الاقتراح لم يجد تشجيعا من التربويين، إذ أنه ليس من العدل أن يدرس الطالب لمدة سنة كاملة للتقوية في مواد معينه، وهذا يعني ضرورة إعادة النظام المدرسي، ثم إن الطالب الذي درس هذه المرحلة الانتقالية - إن صح التعبير - سوف يكون متفوقا على أقرانه في المرحلة التالية، وهنا ندخل في مشكلة أخرى، وهي التجانس بين الطلاب.

ثانيا : ذكر روز وآخرون ( 1983 ,Rose & others ) الحلول التالية:
  1. وضع فصل مستقل كما أشار إليه ليبرمان
  2. نقل الطلاب الراسبين إلى الفصل اللاحق مع وضع علاج فردي لكل طالب لحالة الضعف في المادة التي رسب فيها.
  3. وضع فصول تقوية في كل مدرسة أثناء الدراسة - ويجبر الطلبة الراسبين للالتحاق بها.
ثالثا : ذكر 1967 Dobbs and Neville أن من الحلول المطروحة هي: 
  1. أن يكون هناك نظام أخر للمدارس بمعنى أخر أن تكون هناك مدارس خاصة للمتفوقين والطلاب متوسطي التحصيل ، أما النوع الأخر من المدارس فهي خاصة للطلبة ضعيفي التحصيل. وقد انتقد هذا الاقتراح بأنه يساعد على تنمية العنصرية بجميع أشكالها، ولهذا لم يجد رواجا بين التربويين. 
  2. وإذا لم يكن هذا ممكنا فإن الاقتراح الأخر هو عند انتقال الطلبة إلى فصل جديد يتم تقسيم الطلاب إلى فصلين فصل يخصص للطلبة الراسبين مع الأخذ بعين الاعتبار حجم الفصل بحيث  يفضل أن يكون صغيرا ، كما يجب أن يقوم بتدريس هؤلاء الطلاب مدرسين أكفاء ممن لهم قدرة على استخدام طرق التدريس الفردية والجماعية، أما الفصل الأخر فهو خاص بالطلاب الناجحين.
رابعا : ذكر كل من سمث وشيبرد 1984 ,Smith & Shepard الخيارات التالية :
  1. أن يكون هناك تساهل إلى حد ما في معيار النجاح والرسوب.
  2. تأخير امتحان الطالب في حالة ظروف طارئة.
  3. استخدام مناهج مختلفة في الفصل الدراسي تراعي الفروق الفردية ، وقد يترتب على هذا وضع أسئلة مختلفة في الاختبار النهائي لتجنب الرسوب.
  4. افتتاح مدارس في الصيف يدرس فيها الطلاب الراسبين.
  5. توفير دروس خصوصية للطلاب الراسبين.
خامسا : إضافة إلى ما سبق ذكره تضيف سلون (1990 ,Sloan) المقترحات التالية :
  1. أن تقوم المدرسة بفتح أبوابها قبل المدة المحددة للدراسة بثلاثة أسابيع أو أربعة ويطالب الطلبة الراسبين بالالتحاق في المدرسةلاقبل أقرانهم حيث يتم تدريسهم المواد التي رسبوا فيها.
  2. متابعة الطلاب الضعاف في الروضة واتباع نظام اليوم الكامل معهم والتركيز في هذه الفترة على نقاط الضعف.
  3. إلغاء نظام الفصول الدراسية والبحث عن معيار جديد يتم على ضوئه نقل الطلاب وتقدير كفاءتهم.

والمتتبع لهذه الاقتراحات يجد أن بعضها غير قابل للتطبيق إما لصعوبته أو لمتطلباته أو لعواقبه الجانبية. أو أن بعضها يطالب بالنزول بمستوى التعليم من أجل هؤلاء الطلاب. أما أهم الاقتراحات التي لاقت استحسانا لدى التربويين والقابلة للتطبيق فهي: 
  • أن تقوم المدرسة بفتح أبوابها قبل المدة المحددة للدراسة ويطالب الطلبة الراسبين بالالتحاق في المدرسة قبل أقرانهم حيث يتم تدريسهم المواد التي رسبوا فيها.
  • افتتاح مدارس في الصيف يدرس فيها الطلاب الراسبين.

Mohammed
Mohammed