طرائق تدريس التربية
نشر : منشورات جامعة دمشق
مقدمة الكتاب
يشكل هذا الكتاب الجزء الثاني من كتاب طرائق تدريس التربية الذي يمتد على مدى سبعة عشر فصلاً، غطى الجزء الأول منه ستة فصول، ويغطى هذا الجزء ستة فصول أخرى، يتناول كل واحد منها أحد مكونات التدريس الرئيسة.الفصل الأول وفيه يعالج محتوى التدريس وكيفية تنظيمه، ولهذا وقف على أهمية المحتوى، ومصادر الحصول عليه وكيفية تحليله من أجل أجل حصر العناصر الرئيسة التي تكون صلبه، والعلاقات القائمة فيما بينها ومن أجل التوصل إلى تلك العناصر بطريقة منهجية منظمة، استعرضت تقنيات عدد من الباحثين التربويين الذين عملوا في هذا المضمار، وهم (جانييه) و (میللر) و (بلوم)، و (مارزانو)، ليكونوا بمثابة نماذج يُقتدى بها كما حصرت الشروط التي يجب الالتزام ما عند القيام بالتحليل، وذكرت مسوّغات التحليل، وحُدّدت فوائده. ثم بحثت كيفية تنظيم ما تم تحليله ليشكل بنيةً متناسقة منظمة، تبقي على المواصفات المطلوبة لذلك المحتوى، كما أثيرت المشكلات التي يمكن أن تنبثق من العمليات المختلفة التي تناولت ذلك المحتوى.
وتطرق الفصل الثاني إلى دور الدافعية في التعلم، تحت عنوان (إثارة الدافعية للتعلم وعلاقتها بالتعليم. ولذلك عرف الدافعية، وتناول الوظائف التي تضطلع بها في إطار التعليم، كما بحث علاقتها بالتعلم وتأثيرها فيه، والعوامل التي تتحكم بها. بعدها قارن بين الدافعية. بمعناها العام والدافعية في التعلم، وكيفية إثارتها لتحريض المتعلمين على الإقبال على التعلم برغبة وفاعلية. ولما لم يكن لمة اتفاق على كيفية ذلك، فقد تم استعراض عدد من النظريات هذا الشأن، ووجهات نظر أصحابها حول الدافعية وكيفية إثارتها، والعوامل الكامنة خلفها. وخلص الفصل بعد ذلك إلى عدد من كيفيات التدخل الفاعلة لتطبيقها في مجال التدريس.
أما الفصل الثالث فقد عُني بالوسائل التعليمية ودورها في تحسين العملية. التربوية لقد بدأ بتعريف الوسائل وتطور معناها، وأدواتها عبر العصور التي مرت بها منذ نشأتها. ثم توقف عند الخلفية النفسية التي تستند عليها تلك الوسائل، لتكون مؤثرة عند استخدامها. وعند التطرق لأنواع الوسائل كان لابد من وقفة سريعة عند تصنيفاتها التي تساعد في حصر الوسائل الكثيرة في فئات أو مجموعات محدودة؛ لكل منها خصائصه التي يتفرد بها . ولكثرة أنواع الوسائل تلك تم الاكتفاء بعدد منها فحسب، اختير في ضوء متطلبات تدريس تلك المادة، وتُرك كثير غيرها لأنها تُدرس في مادة تقنيات التعليم من جهة، وحرصاً على عدم التكرار من جهة أخرى. وانتهى الفصل بالوقوف عند شروط الوسائل، وفوائدها، وحدودها.
وخصص الفصل الرابع للفعاليات الصفية واللاصفية، والأنشطة التي تكون رديفاً لها. فبعد شرح المعاني المختلفة لتلك الفعاليات، حلّلت الفعالية للتعرف على مكوناتها التي تبرر طبيعتها، ثم درست الخلفية الفلسفية والخلفية، علم النفسية التي تسوّغ استخدام تلك الفعاليات، وما تتركه من آثار إيجابية على العملية التعليمية التعلمية. وقد استخلص من تلك الآثار عدد من الوظائف التي تقوم بها تلك الفعاليات والأنشطة، والأدوار المتعددة التي تنبثق عن كل منها؛ مع مع الحرص على دراسة كيفية إدراج تلك الفعاليات في إطار الدروس والشروط التي يجب مراعاتها. وانتهى الفصل باستعراض عدد من الفعاليات التي يقل الكلام عنها في كتب التربية التي تتناول هذا الموضوع.
أما موضوع التقويم ، فقد غطّى الفصل الخامس الذي ضاق عن استيعاب كل ما يجب بحثه تحت هذا الموضوع الواسع ذي الجوانب المتعددة، التي يأتي في طليعتها تعريفه وتناول المصطلحات الدالة عليه، والأسئلة الكثيرة التي يثيرها. ولكثرة أنواع التقويم ثم تصنيفها تبعاً لمحاور عديدة هي على التوالي وظائف التقويم زمن إجرائه، الأغراض التي توضع له الموضوعات التي يتناولها، الأدوات التي تستخدم في أثناء القيام به، والقائمون به مع الصلاحيات الممنوحة لهم؛ وأخيراً المجالات التي يتناولها. وقد خصص حيّز من هذا الفصل لدراسة اختبارات التحصيل، وسجل التعريف بها كيفية بنائها، والشروط المطلوبة لها، وأشكالها المتعددة، وما ينبثق من صيغ متعددة عن كل منها.
وبقي الفصل السادس ليعنى بأساليب التعلم، متناولاً أشهر أسلوبين فيه وهما: التعلم الذاتي، والتعلم التعاوني، بعد أن كان الجزء الأول لهذا الكتاب قد تناول التدريس الصفي الجماعي المتداول عادةً في مختلف الصفوف المدرسية. في نطاق التعلم الذاتي عُرف هذا الأسلوب، وذكرت الضرورات الملحة التي دعت إليه، واستعرضت أنماطه المختلفة، ثم حددت الخصائص التي يُعرف بها، والحدود التي يقف عندها. كما جرى حصر للمهارات التي يتطلبها وكيفية التقويم الذي يتبنونه كأسلوب للدراسة، أو على الأقل كأحد الأساليب فيها.
أما الجزء الثاني لهذا الفصل فقد عني بالعمل التعاوني ليبحث من الزوايا نفسها التي تم بحث رديفه الأول، وهو التعلم الذاتي، لذلك فقد جرى تعريفه والأسس التي قام عليها، والأهداف التي يحققها، وكذلك الأنماط التي يتخذها. ثم تم التطرق أخيراً لمزاياه، وحدوده، والمهارات المطلوبة له.
والفلسفة التي يبنى عليها هذا الجزء من الكتاب لم تخرج عما كانت عليه في الجزء الأول منه، فالكتاب واحد والتوجهات التي تحكمه هي نفسها. لذلك ظل الحرص على تبني منهجية واحدة في العمل، تقوم على الاستفادة من البحوث والدراسات التي أجراها علماء ومختصون في مجال التدريس والتعلم والاستعانة بما أتوا به من معلومات، وما حصلوه من خبرات، أصبحت زاداً ثميناً لمن يرغب في الاستفادة منها، والاعتماد عليها هذا مع الانتباه دوماً للأخذ بنظريات أقرب ما تكون من أرض الواقع، انطلاقاً من القناعة السابقة نفسها، وهي أن كل نظرية لايدعم الواقع مقولاتها وفرضياتها هي نظرية يجب عدم التعويل عليها كثيراً.
انتقل إلى الصفحة الثانية
↚
أما التعلم والتعليم فقد ظلت النظرة إليهما على أنهما متكاملان، يتمم أحدهما الآخر. ولذلك كل اكتشاف بشأن أحدهما، وكل بحث فيهما ويؤيد فرضيات أو أفكاراً حول واحد منهما، يفيد دون شك في المجال الآخر، شريطة أن يقيض للأمر أشخاص أكفياء، يمكنهم نقل ما يتوصل إليه أحدهما إلى الآخر، بغية تطبيقه والاستفادة منه، وهذا هو السبب الذي أصبحنا فيه اليوم نرى علماء وباحثين في المجالين معا : التعلم والتعليم، مثل (برونر) و (جاردنر) و (برویسیر) و (جانييه) وغيرهم كثير جداً، ستعرف على بعضهم عند تناول تصميم الدروس حيث وجد منظرون في مجال التعلم، ينصرفون لتطبيق نظريتهم في التدريس على أرض الواقع، ويضعون نماذج لذلك.
كما أنك سترى في هذا الجزء أيضاً أسماء علماء وباحثين مروا معك في الجزء الأول؛ وسبب الرجوع إليهم مرة ثانية إنما هو الأخذ عنهم مما كانوا قد تناولوه بصدد الموضوعات التي تُعالج هنا. وذلك بهدف الاستفادة منهم، وجعل المعلومات المقدمة على درجة عالية من العمق والمصداقية. هذا بالإضافة إلى الأخذ بفكرة تعميق المعلومة التي يتم الرجوع إليها بين حين وآخر ؛ وزيادة أمور عليها، بمناسبة إثارة جوانب لم يكن قد تم التطرق إليها من قبل. وبهذا نكون قد تجنبنا الســير الخطي الذي يمر على الأمر الواحد مرةً واحدةً فحسب، مما يحرمه من الإغناء والتعميق، والشمولية التي تتطرق إلى الجوانب المختلفة فيه.
هذا، ولاشك أنك ستلاحظ استعراض آراء مختلفة، وأحياناً متناقضة حول الأمر الواحد. وكان ذلك مقصوداً بغية عدم التحيز لعالم أو باحث، من جهة، وحرصا على الاطلاع على أفكار كثيرين وكيفية دفاعهم عنها، والحجج التي يقدمونها لدعم آرائهم من جهة ثانية. يُضاف إلى ذلك دفعك لإعمال عقلك دوماً، وعدم الركون إلى أمر واحدٍ، وطرح تساؤلات دائمة لهذا طلب منك في كثير من التطبيقات العملية إبداء رأيك الشخصي، والدفاع عنه، واقتراح بدائل أو حلول جديدة لمسائل مازالت خلافية، وتستدعي التفكير.
وانطلاقاً من الفكرة السابقة ثم الحرص على ربط الأمور النظرية التي تقدم لك بأمور عملية تطبيقية. لذلك ستشاهد بعد عرض فكرة رئيسة، أو تقديم معلومات معينة جانباً عملياً يستدعي القيام بإجراءات، تكون بمثابة تطبيقات لما اطلعت عليه. والقصد من ذلك ردم الفجوة بين النظري والعملي من جهـا والتدرب على النماذج التي تقدم لك عن طريق المحاكاة أولاً إلى حين إتقانها؛ ثم بعد ذلك الإتيان بأفضل منها، إن كان ذلك ممكناً بالنسبة لك، إضافة لذلك دعوتك مرات كثيرة إلى ابتكار بطاقات ملاحظة، أو سلالم ،تقويم، أو اشتقاق خصائص شأنه أن يحرّضك على الإبداع، وتحقيق القدرات الكامنة جديدة؛ وكل ما من لديك....
بذلك كله تصل إلى ما يُبتغى لك، وهو أن تكون متعلماً نشطاً فاعلاً، وأن تكون حراً مسؤولاً عن تعلمك، قادراً على تعليم قادراً على تعليم نفسك، وتقويم ذاتك ، مع القدرة في الوقت نفسه على قيامك بالعمل التعاوني الذي دعيت إليه مراراً في غضون التطبيقات العملية، لتكتسب المهارات البينية، وكل ما يتعلق بها من القدرة على التواصل مع الآخرين واحترام رأيهم وقبولهم؛ مع الاحتفاظ بخصائصك الشخصية التى تجعل منك فردا ، له هويته وخصائصه التي تميزه عن غيره.
إنك، ولاشك بعد الانتهاء من دراسة هذا الكتاب، ستجد أنك حملت أعباء كثيرة، وطلبت منك أنشطة عديدة، ربما لم تعتد عليها. ولكن عندما تتذكــــــر أن عليك مهمتين أساسيتين - إلى جانب فهم واستيعاب المعلومات التي قدمت لك لمعالجتها وتخزينها في ذاكرتك طويلة المدى هما الجانب العملي الذي خصصت له أربع ساعات أسبوعية في هذا الفصل، بالإضافة إلى التربية العملية التي تذهب في أثنائها إلى مدارس التطبيقات، فإنك حينئذ تدرك سبب الإكثار من المهمات العملية التي وضعت في هذا الكتاب والتي يجب ألا يُنظر إليها كنوع من تزيين الكتاب (أي ديكور وضع فيه)، وإنما معاملتها على أنها واجبات ،حقيقية، لا يمكن لأهداف هذا الكتاب أن تتحقق بدون القيام بها فعلاً.
بقي أن نقول: إياك النظر إلى المعلومات التي قدمت لك، أو النماذج التي عرضت عليك، أو كيفيات العمل التي نصحت بها ، وكأنها البلسم الواقي، أو العدة المكتملة؛ أو الذخيرة الكافية. فهي جميعها لا تعدو كونها عيّنةً لما هو أوسع منها بكثير؛ ويؤمل أن تكون ممثلة له إلى حد مقبول، وباعثاً لك على التفكير وطلب المزيد. لذلك فإن المراجع التي وضعت في نهاية هذا الكتاب كان الغرض منها بالدرجة الأولى جعلها بمثابة مثيرات تدفعك للإقبال على قراءتها، من جهة، وعدها مصادر يمكن استخدامها لتعميق معرفتك وإغنائها من جهة أخرى، ولأن أي كتاب، سواء أكان كتاباً مقرراً أو غير مقرر ، يعجز الإحاطة بكل شيء حول أي موضوع يثيره، أو فكرة يطرحها.
إن الجامعة كانت وما تزال تأمل بتخريج أناس يمتلكون المهارات الضرورية للعمل الذي سيمتهنونه مستقبلاً، وبسبب كون الواحد منكم طالباً في كلية التربية، فإن العمل الأكثر ترجيحاً له إنما هو التدريس. وعلى المدرسة واجبات كثيرة في مقدمتها تربية النشء تلك العملية الصعبة التي تتطلب إعداد أناس مؤهلين في مجالات كثيرة ثقافية وتربوية ونفسية، إلى جانب مادة الاختصاص. ولهذا فإن العبء الملقى على عاتقكم كبير قبل أن تصبحوا مربين حقيقين. ولعل هذا ما كان قد دعا (روسو) لإطلاق صيحته الشهيرة: ربّوا المربي قبل أن يربي. وأظن أنه كان على حق كثير في ذلك، لأن مربياً جاهلاً لا يعجز عن تقديم الفائدة فحسب، وإنما يسيء أيضاً إلى طبيعة الطفل التي يمكن أن تكون خيرة في الأصل، والمجتمع، بما فيه المربي قبل كل شيء، هو الذي يفسدها، كما قال روسو نفسه ، فلكن مربين أكفياء قادرين على الاضطلاع بمسؤولياتنا تجاه من يعهد بهم إلينا.
رابط الكتاب
للحصول على نسخة 👈 اضغط هنا