نظرية الجشطلت والتعلم

نظرية الجشطلت والتعلم



مقدمة حول نظرية الجشطلت Gestalt theory 

لهذه النظرية مسميات منها ( صيغة الاستجابة، أو الشكلية، أو الاستبصار) . ظهرت هذه النظرية في بدايات القرن العشرين في المانيا على يد عالم النفس الألماني ماكس فرتهايمر (1880-1943) الذي يعد مؤسس نظرية الجشطلت وقد ساهم أيضا في تطوير أفكارها كل من ولفجانج كوهلر (1887-1967) وكورت كوفكا (1941-1886)، إذ يعد ماكس فرتهايمر من أشهر علماء النفس الجشطلت الذي عرف بظاهرته العلمية المعروفة فاي phi  أي ادراك الحركة، أو الظاهرة الادراكية الخاصة  بظهور الحركة من المثيرات الثابتة وذلك حين تقديمها متتابعة في وضعين متجاورين 

كما نشر كوهلر كتابه عن عقلية القرود والذي ضم تجاربه عن القرود في المحيط الهادي كما ظهر كتاب لكوفكا يضم معالم عن نظرية الجشطلت والانتقادات الموجهة لتفسير الظاهرة النفسية على أسس سلوكية بحته كما نشر كوفكا كتاباً عن أسس علم النفس الجشطلت يعد المرجع الأساس لسيكولوجية الجشطلت التقليدية. إن أول المنشورات في اللغة الانكليزية تخص النظرية كانت مقالة لكوفكا عام (1922) في النشرة المعروفة باسم النشرة السيكولوجية وعنوانها (الإدراك مقدمة للنظرة الجشطلتية) وقد ترتب على هذا العنوان تاريخ طويل من سوء الفهم مؤداه أن نظرية الجشطلت نظرية مرتبطة في الأساس بمجال الإدراك ومع ان الإدراك كان من الأمور الهامة التي يركز عليها الجشطلتيون ..

إلا أن التفكير والمعرفة وحل المشكلات والشخصية وعلم النفس الاجتماعي كانت من الأمور التي تحظى بأهمية مماثلة، وفي منتصف الثلاثينات أصبحت الولايات المتحدة المقر الرئيس للنظرية بعد رحيل أصحابها الثلاث كورت ومعهم ليفين، وكان ماكس فرتهيمر مؤسس النظرية أول من أعلن المبدأ القائل بان الكل سابق لجزيئاته وأوردت مقالته عن ظاهرة فاي (إدراك الحركة) أو الظاهرة الإدراكية الخاصة بظهور الحركة من مثيرات ثابتة وذلك حين تقديمها متتابعة في وضعين متجاورين وهذه الظاهرة هي التي تفسر لنا الحركة في الصور السينمائية . 

تعد هذه النظرية من اكبر الإضافات التي تناولها علم النفس الجشطلت لفهم طبيعة عملية التعليم، ظهرت هذه النظرية كرد فعل على النظريات الارتباطية للتعلم، نادت النظريات المجالية بأهمية الادراك والفهم في عملية التعلم، حيث يرى المجاليون أن التعلم يحدث كنتيجة لإدراك الكائن الحي للعلاقات المتعددة الموجودة بين مكونات الموقف التعليمي وبهذا فأنهم يؤكدون على اهمية الموقف الكلي وأهمية الدور الذي تقوم به عملیات الادراك وعمليات التفكير العقلية، وفي رأي علماء نظرية جشطلت، انه إذا اردنا إن نفهم لماذا يقوم الكائن الحي بالسلوك الذي يسلكة، لابد أن نفهم كيف يدرك هذا الكائن نفسة والموقف الذي يجدها فيه، ومن هنا كان الإدراك من القضايا الأساسية في التحليل الجشطالتي بمختلف أشكالة. 

أكدت مدرسة الجشطلت مبدأ الكلية وتنطلق مبدأ أن الكل أكثر من مجموع العناصر المكونة له فهي ترى إن لكل وظيفة أو معنى معيناً يصعب إدراكه على مستوى الأجزاء، فهي تفترض أن الكائن الحي يضيف شيئاً من عنده إلى تلك الخبرة بحيث لا يعمل الكل على توحيد العناصر الحسية للفرد بل يتضمن عنصر التنظيم وهو الشئ الذي يضيفه الكائن الحي إلى هذه العناصر. وهكذا فان فهم الظاهر السلوكية لا يتم على المستوى الجزئي أي من خلال تحليلها إلى مكوناتها وعناصرها وإنما على المستوى الكلي الأكثر عموميه وشمولية لان جوهر هذه الظاهرة يتضمن في الكل وليس في مجموع العناصر. 

فبالرغم من إن موضوع التعلم لم يكن المحور الأساس في هذه النظرية إلا إن ما قدمته من مبادئ حول الإدراك والتنظيم الإدراكي وحل المشكلات يسهم على نحو لا يدعو إلى الشك في فهم عملية التعلم  الإنساني. 

ان عملية الاستبصار تتناول عملتين من اهم العمليات العقلية التي يمارسها الفرد في مواقف التعلم وهما ( الفهم وأدراك العلاقات) وهما خاصيتان لا توجدان في التعلم في النظريات السلوكية كما ان هذا النوع من التعلم لا يحدث إلا لدى الكائنات الحية التي تقع في المستويات العليا من السلم الحيواني التي تستطيع ممارسة العمليات العقلية العليا، والاستبصار في الحقيقة هو عملية إدراك علاقة ليست مطلفة الحدوث بشكل دائم وانها تتأثر بعوامل منها : 

  • النضج الجسمي : أي الامكانية العضوية والجسمية التي يجب أن يمتلكها  الكائن الحي لتحقيق عملية الاستبصار حينما يتطلب الموقف
  • النضج العقلي أو القدرة : تختلف مستويات الأدراك بالنسبة للانسان بأختلاف نموة المعرفي فألاكثر نمولاً وخبرة يكون أكثر قدرة على تنظيم المجال وادراك العلاقات فيه. 
  • الخبرة : تلعب الخبرة دور هام في عملية التعلم حسب وجه نظر جشطلت 
  • تنظيم الخبرة : أن التعلم ماهو الا وظيفة لتنظيم المجال. 


المفاهيم الاساسية في نظرية الجشطلت

  • 1. جشطلت تعني صيغة أو شكل وقد بينت أن الحقيقة الرئيسية في المدرك الحسي ليست هي العناصر أو الاجزاء التي يتكون فيها المدرك وانما الشكل. ويرى البعض إن كلمة جشطلت تشير إلى الشكل ولذا تدعى بالنظرية الشكلية لأنها تركز على الشكل الجيد بالإدراك وفرضيتها أن الفرد يلجأ الى تنظيم مدركاتة على صورة اشكال وعلاقاتة تمكنة من فهم العالم من حولة. والمبدأ الأساس فيها يدعى pragnans الذي ينص على إننا نتعرف على الأشكال بعد تنظيمها للمنبهات التي تصبح أبسط وأدق وأكثر تنظيماً. 
  • 2. البنية أو التركيب (Structure) ترى جشطلت أن هناك بينة خاصة متأصلة لكل فرد بحيث تميزة عن غيرة وتجعل منه شيئاً منظماً ذا معنى أو وظيفة خاصة تشتمل على قوانين داخلية تحكم العلاقات. 
  • 3. المعنى Meaning: ما يترتب على ادراك العلاقات القائمة بين اجزاء الكل. 
  • 4. اعادة التنظيم (Reorganization): استبعاد التفاصيل التي تحول دون  أدراك العلاقات الجوهرية في الموقف. 
  • 5. التنظيم (Organization) تنظيم بنية الجشطلت، أي جشطلت بطريقة خاصة مميزة وفهم تلك البنية يعني تفهم طريقة تنظيمها . 
  • 6. الانتقال (Transfer) إن الاختيار الحقيقي للفهم هو إمكانية انتقال الاستبصار الذي تم الحصول علية الى مواقف أخرى تشبة في بنيتها الموقف الاول ولكنها لا تختلف عنه إلا في التفاصيل السطحية. 
  • 7. الاستبصار :(Insight) ويعني الادراك الفجائي أو الفهم الفجائي لما بين أجزاء الموقف الاساسية.


مفهوم الاستبصار insight 

الاستبصار عند مدرسة الجشطلت هو الإدراك الفجائي أو الفهم الفجائي لما بين أجزاء الموقف الأساسية من علاقات لم يدركها الفرد من قبل وذلك أثناء محاولات وأخطاء تطول أو تقصر أو هو الحل الفجائي لمشكلة سواء سبقته أم لم تسبقه محاولات وأخطاء والاستبصار دليل على إن الفرد فهم المشكلة وعرف ما يجب عمله لحلها . 


خصائص الاستبصار 

  • 1 - يعتمد الاستبصار على تنظيم الموقف المشكل ولا تضمن الخبرة السابقة رغم أهميتها حل المشكلة فهو لا يحدث بسهولة إلا إذا نظمت أساسيات الحل بحيث يمكن إدراك العلاقات بينها . 
  • 2 – إذا حدث حل بالاستبصار فأن ذلك الحل يمكن أن يتكرر في الحال. 
  • 3 - الحل الذي يمكن الوصول إليه بالاستبصار يمكن استخدامه في مواقف جديدة لان ما يتم تعلمه بالاستبصار ليس استجابة نوعية خاصة وإنما علاقة معرفية بين وسائل وغايات. 


الإدراك و قوانين التنظيم الإدراكي في نظرية الجشطلت

يعرف الإدراك بأنه عملية تنظيم المدخلات الحسية في خبرات لها معنى إذ يعد الإدراك perception كعملية ذهنية من القضايا المركزية إذ إن سيكولوجية الإدراك حالة نفسية معرفية ذهنية يعبر عنها بمدخلات ذات مسمى بعد  أن تم الانتباه لها كمواضيع ثم تم تسميتها فأصبحت مدركات وبذلك فان مبادئ الإدراك تنطبق تماماً على التعلم من وجه نظر الجشطلتيون، ويرون أن عملية الإدراك لا تتم على نحو مباشر وإنما تحكمها آليات ومبادئ أو قوانين والتي من خلالها يتمكن الأفراد من فهم الأشياء وتمييزها 

و إن الذاكرة تعمل على إعادة تنظيم مكوناتها الطبيعة الديناميكية للذاكرة لتشكيل ما يسمى الكل الجيد حيث تسعى إلى تنظيم العلاقات القائمة بين عناصر الخبرة لتحافظ على المعنى والبنية الكامنة فيها. أما قوانين أو مبادئ التنظيم الإدراكي فهي : 


القوانين السبعة للتنظيم الإدراكي في نظرية الجشطلت

1 - قانون الشكل والخلفية figure ground law 

يعد الأساس لعملية الإدراك إذ ترى نظرية الجشطالت انه من الصعوبة تمييز الأشكال وإدراكها دون وجود محك مرجعي يتم ضمن نطاقه تحديد ملامح هذه الأشكال. فالأشياء لا توجد في فراغ وإنما تقع ضمن نطاق حسي وهذا النطاق يسمى بالمجال، حيث يتألف المجال من الشكل وهو الجزء الهام السائد الذي يحتل الانتباه أما بقية المجال فيسمى الأرضية وهي مجموعة الأجزاء التي تحيط بالشكل وتعمل كخلفية متناسقة يبرز عليها هذا الشكل. 

2 - قانون التشابه Similarity law 

يقصد به أن العناصر المتماثلة أو المتساوية تميل الى التجمع معاً وإن المفردات المتشابهة تنتمي لمجموعة واحدة يسهل تعلمها أكثر من العناصر غير المتشابهة. 

3 - قانون التقارب proximity law 

المفردات القريبة أو المتجاورة يمكن فهمها إذا ما نظر إليها كمجموعة . إذ إن الأشياء تميل إلى التجمع في تكوينات إدراكية تبعاً لدرجة تقارب حدوثها الزماني أو المكاني ففي واقع الحياة العملية نحن لا نتأمل مع أحداث أو مثيرات منفصلة وإنما مجموعات من الأحداث أو المثيرات التي تشترك في تربط معين كزمان أو مكان الحدوث وعليه تخزينها واسترجاعها أسهل . 

4 -قانون البساطة simplicity Law 

ويشير إلى الطبيعة التبسيطية التي يمتاز بها النظام الإدراكي الإنساني إذ إننا نسعى إلى إدراك المجال على أنه منظم يشتمل على كل أشكال منتظمة وبسيطة فهو يعكس الميل إلى تكوين الكل الجيد الذي يمتاز بالانسجام والانتظام والاتساق 

5 - قانون الإغلاق closure Law 

المفردات التي تكون نمطاً متكاملاً مغلقاً ينظر إليها كوحدة واحدة . وبمعنى آخر أن الأشكال الكاملة أو المغلقة أكثر ثباتا من الأشكال الناقصة أو المفتوحة وذلك لان الأخيرة تميل إلى أن تكمل نفسها حتى يسهل لها أن تكون صيغة كلية في الإدراك 

6 - قانون الاستمرار continuation law 



المفردات التي تخلف بصورة طبيعية سلسلة مفردات أخرى ينظر إليها كمفردات تنتمي إلى السلسلة ذاتها. ويتمثل الاستمرار أو الاتصال في ميل الأشخاص إلى إدراك أي موقف إدراكي معقد على انه يتضمن خطوطاً أو أنماطا متصلة بمعنى أننا نميل إلى إدراك التنظيمات التي تتماسك أجزائها بأكبر قدر من الاستمرار والاتصال. وينطبق هذا القانون على التعلم والتذكر 

7- قانون المصير أو الاتجاه المشترك common fate or direction law 

الأشياء التي تمر بنفس التغيير والاتجاه تدرك كما لو كانت كل واحداً. إذ إننا نميل إلى إدراك مجموعة الأشياء التي تسير بنفس الاتجاه والتي تأخذ وضعاً معيناً على أنها تنتمي إلى مجموعة واحدة في حين الأشياء التي تختلف معها في الاتجاه تدرك على إنها مجموعة أخرى. 

تابع القراءة في الصفحة التالية 👇

افتراضات نظرية الجشطلت حول التعلم 

تختلف النظرية الجشطلتية في فهمها للتعلم بل وتتناقض تناقضاً حاداً مع وجهات النظر المعاصرة لها والخاصة بالتعلم والتي تقوم على التركيز على قضايا مثل كيفية ارتباط المثير الشرطي بالمثير غير الشرطي عندما تستخرج الإجابة الشرطية أو كيف يمكن للمثير المعزز أن يزيد من احتمال صدور استجابة وسيليه خاصة بحضور مثير معزز مميز أو كيف يمكن لمقاطع الأصوات التي لا معنى لها عندما تنطق فرادى أن ترتبط معاً في التعلم التسلسلي. 

فالتعلم الحقيقي الأصيل لا يوجد كثيراً من الربط الحقيقي بينه وبين ما يسمى الروابط الأخرى فالأساس في التعلم هي الفهم والاستبصار والإدراك وتدعي الجشطلتية أن الارتباطات الجزيئية الميكانيكية لا تعدو كونها صوراً كاريكاتورية فارغة للتعلم الحقيقي، وهو الذي يمتاز بمحاولة الوصول إلى صلب القضية وهو تعلم أمين للطبيعة الحقيقة للمواد التي يراد تعلمها وبنيتها وهو تعلم يتميز بالتوصل إلى الفهم المرضي لما كان لا معنى له قبل التعلم أو تلك التجربة التي نصل بها إلى الاستبصار  الحقيقي . 

ومن أهم افتراضات الجشطلت حول التعلم هي : 

أولاً: يتم التعلم من خلال الاستبصار 

يتم التعلم وفقاً لعمليات معرفية تنطوي على إدراك عناصر الموقف ككل والعلاقات القائمة بين هذه العناصر. فهي ترى أن عملية اكتساب السلوك تتم على نحو مفاجئ، حيث يتم اكتشافه من خلال عملية الاستبصار والتي من خلالها يعمل الفرد على تنظيم المدركات الحسية في الموقف على نحو يمكنه من اكتشاف البنية الكامنة فيه، وتؤكد نظرية الجشطلت أن السلوك الذي يتم تعلمه من خلال الاستبصار يمكن أن يتكرر في ذلك الموقف. لا بل يمكن تعميمه على المواقف الأخرى المماثلة لذلك الموقف. فما يتم تعلمه من خلال الاستبصار ليس مجرد استجابة نوعية خاصة ولكن علاقة معرفية تنظيمية بين وسائل وغايات. 

ثانياً : يعتمد التعلم على الإدراك 

يتوقف التعلم على الكيفية التي يدرك من خلالها الفرد الموقف الذي يواجهه  وإدراكه للكيفية التي تترابط بها العناصر معاً في ذلك الموقف  ولما كان التعلم يهتم أصلا بعملية اكتشاف البيئة. فهو إذن يرتبط على نحو وثيق بالعناصر الحاسمة والبنية المتأصلة في الموقف. فإذا كان الموقف غير واضح أو عديم المعنى بالنسبة للفرد فان إدراكه له سيكون عندها باهتاً وربما لا يشكل دافعاً للفرد لتعلم السلوك المناسب حياله، في حين إذا كان الموقف متميزاً والعلاقات القائمة بين عناصره واضحة فان التعلم يحدث على نحو سريع . 

ثالثاً : ينطوي التعلم على إعادة التنظيم الموقف 

يتضمن مفهوم التعلم حسب وجهة النظر الجشطلتية إعادة تنظيم عناصر الموقف من حالة تكون فيها العناصر مختلفة والعلاقات بينها غير واضحة إلى وضع جديد تكون العلاقات القائمة بين عناصره ذات معنى بالنسبة للفرد. وهذا يعني الخروج بصورة جديدة للموقف بحيث تحمل في طياتها معنى خاصاً بالنسبة للفرد من خلال إعادة تنظيم عناصر هذا الموقف. 

رابعاً : ينطوي التعلم على إدراك البنية الداخلية لما يتم تعلمه 

يتضمن التعلم جوانباً معرفية حقيقية، فهو ليس مجرد تشكيل سلاسل من الارتباطات وفقاً لمبادئ آلية ميكانيكية، ولكن يعني التعرف على العلاقات الداخلية للمواقف المراد تعلمها وكذلك بنيتها وطبيعتها. فما يتم تعلمه في الغالب يناسب تماماً حقيقة الشيء الذي نتعلمه وخصائصه الكلية، لأن جوهر التعلم هو التعرف على القوانين الداخلية والترابط الدقيق للموقف الذي نتعلمه. 

خامساً : يهتم التعلم بالوسائل والنتائج 

يرتبط التعلم بماذا ولماذا (؟)، حيث إن ما نتعلمه يتعلق بالنتائج المترتبة على الأعمال التي نقوم بها. فالنتائج المترتبة على السلوك هي في معظمها ذات معنى وترتبط ارتباطاً وثيقاً بهذا السلوك، فعلى سبيل المثال عندما نضع المفتاح في خرم الباب ونديره إلى اليمين فمن الطبيعي أن يفتح الباب، ولو فكرت ملياً في مشكلة ما فمن المؤكد أن تصل إلى حل ما مناسب لهذه المشكلة. إن هذا يعني أن التعلم هو بمثابة اكتشاف لخصائص الأشياء وما يترتب على نتائج سلوكاتنا من أحداث. 

سادساً : التعلم القائم على الاستبصار يجنب الوقوع في الأخطاء 

إن عملية فهم الموقف المشكل والبنية الكامنة فيه غالباً ما يؤدي إلى تجنب الوقوع في الأخطاء لأن السلوك الناجم عن ذلك لن يكون عشوائياً، وإنما يسير على هدى ويرتبط ارتباطاً وثيقاً بذلك الموقف، وهذا من شأنه أن يوجه السلوك. 

سابعاً : الفهم والاستبصار يسمحان بانتقال أثر التعلم 

ترى نظرية الجشطلت أن الفهم والاستبصار يؤديان إلى اكتساب مبدأ أو قاعدة ترتبط بموقف معين، ومثل هذا المبدأ يمكن تطبيقه أو استخدامه في مواقف أخرى مشابهة للموقف الذي تم التعلم فيه وبطبيعة الحال فإن التعلم القائم على الحفظ والاستظهار غالباً ما يرتبط بالموقف الذي جرى التعلم فيه وهو سريع الزوال والنسيان وليس فيه أي قيمة انتقالية، في حين المواقف التي يتم تعلمها وفقاً لعملية الاستبصار هي أكثر بقاء وأكثر قابلية للانتقال إلى المواقف الأخرى المماثلة. 

وانطلاقاً من ذلك ترى نظرية الجشطلت أن التعلم بالاستبصار هو تعلم حقيقي غير قابل للانطفاء أو النسيان وهو بالتالي يشكل رصيداً ثابتاً من مخزون الذاكرة . 

ثامناً : التعلم بالاستبصار هو مكافأة بحد ذاته للتعلم 

إن نتائج التعلم من خلال الاستبصار هي بحد ذاتها معززات لهذا التعلم؛ فالرضا والابتهاج الذي يترافق مع التعلم الحقيقي الناتج من إدراك العلاقات والمعنى الكامن في الموقف يشكل خبرة سارة للفرد ، وهي بمثابة مكافأة لتعلم ذلك الموقف وعليه نجد أن نظرية الجشطلت لا تؤيد استخدام المعززات والمكافآت الخارجية للأداء، وإنما تدعو إلى ضرورة إعداد المواقف بشكل يساعد الفرد على إدراك عناصرها والعلاقات القائمة بين تلك العناصر والمعاني الكامنة فيها، مما يساعد بالتالي على اكتشافها والوصول إلى الحلول، لأن مثل ذلك هو المعزز الحقيقي. أما المكافآت والمعززات الخارجية فقد تشكل عائقاً يؤدي إلى تشتيت ذهن المتعلم من محاولة الفهم والاستبصار لتلك المواقف . 

العوامل التي تعيق التعلم بالاستبصار

  • 1- تعقد الموقف وصعوبة المشكلة بحيث تكون فوق مستوى الفرد بحيث لا يدركها إدراكا عقليا ولهذا يقل التعلم بالاستبصار في حالات المشكلات المعقدة وفي الحيوانات ذات المستوى المنخفض الذكاء وكذلك الأفراد من مستوى ذكاء منخفض. 
  • 2- عدم وجود دافع قوي يؤدي بالحيوان لبذل الجهد وتركيز الانتباه للوصول إلى الحل. 
  • 3- تعدد مثيرات الانتباه التي تنتج من زيادة في أجزاء الموقف بدرجة تزيد على انتباه المتعلم، فأن هذا يدعو إلى تشتيت الانتباه وبطء التعلم. 
  • 4- قلة الخبرة السابقة بمواقف من نوع المشكلة المراد تعلمها. 
  • 5- عدم إدراك الموقف ككل أو وحدة . 
  • 6- عدم القدرة على إعادة ترتيب المجال الإدراكي بالنظر إليه من زوايا مختلفة. 


تجارب التعلم الاستبصار

التجربة الاولى 

تعد تجارب كوهلر على القردة من أشهر التجارب التي أجريت على عملية الاستبصار وقد استخدم مجموعتين من الأبحاث وهي ما تعرف بتجارب حل المشكلات وتتضمن تجارب العصا وتجارب الأقفاص ففي إحدى تجاربه الشهيرة وضع قردا جائعاً في قفص وكان هناك موزاً خارج القفص بحيث لا يستطيع القرد الوصول اليها مباشرة وكان في القفص أيضا عصا، وهدف كوهلر من هذه التجربة تحديد ما إذا كان القرد قادراً على إدراك العلاقة بين العصا والموز (عناصر الموقف ) 

لاحظ كوهلر أن القرد حاول لعدة مرات الحصول على الموز مباشرة ولكنه فشل في ذلك مما حدا به إلى الجلوس والتأمل في الموقف المشكل وكنتيجة لمحاولاته المتعددة التي باءت بالفشل أدى ذلك بالقرد إلى تنظيم عنصر الموقف بحيث اكتشف على نحو مفاجئ طريقة الحل حيث استخدم العصا للوصول للموز واخذ يكرر مثل هذا السلوك في كل مرة يواجه فيه هذا الموقف، واستنتج كوهلر أن القرد وصل إلى الحل على نحو مفاجئ من خلال عملية الاستبصار وليس من خلال المحاولة والخطأ . 

التجربة الثانية

وضع كولهر عدد من الصناديق في قفص مع القرد (سلطان) وكان في سقف القفص موزة ، وكان على القرد الوصول الى الموزة باستخدام الصناديق، وقد راعى كولهر المسافة بين الصناديق والموزة المعلقة في السقف، حاول القرد الوصول الى الموزة لكنه لم يستطع ، وأثناء محاولته وقف القرد فوق الصندوق لكنه لم يستطع الوصول للموزة، وبعد برهه قام القرد ووضع صندوق فوق الصندوق الاول وتمكن من الوصول للموزة ، كما موضح في الشكل التالي.


التجربة الثالثة

وضع كولهر داخل قفص عصاتين قصيرتين لا تكفي الواحدة منها لجذب الطعام وانما يمكن ادخال إحداهما في طرف الاخرى وعمل عصا طويلة، اجرى كولهر تجربته هذه على أذكى القرود وهو (الشمبانزي سلطان) إلا أنه لم يستطيع أن يحل المشكلة  بسهولة، بل استغرق وقتاً طويلاً في محاولات يائسة لجذب الطعام بأستخدام إحدى العصاتين .. 

وفي فترة من فترات الراحة جلس (القرد سلطان) على صندوق داخل القفص وإخذ يلعب بالعصاتين ويحركهما، وفي اثناء لعبه وضع احدى العصاتين داخل الاخرى وبمجرد أن الحيوان رأى نفسه وبيده عصا طويلة قفز من مكانه بسرعة واستعمل العصا الطويلة في جذب الموزة ونجح في ذلك. 

لاحظ كولهر أن الحيوان ادرك العلاقة بين العصاتين، وأن احداهما لا تكفي للوصول الى الطعام، عندما اعاد كولهر التجربة مرة ثانية لاحظ أن القرد سلطان بدأ من جديد في وضع طرف احدى العصاتين داخل الاخرى ولم يبذل الكثير من المحاولات كما هو الحال لو كان التعلم عن طريق المحاولة والخطأ، فالتعلم هنا قائم على إدراك العلاقات بين إجزاء الموقف وفهم الموقف ككل، ويسمى الوصول الى الحل عن طريق فهم وإدراك العلاقات في المجال الادراكي (الاستبصار). 

لاحظ كولهر أن الحيوان عندما يدرك أن العصا أو الأداة كأداة يستطيع استخدامها من أجل الحصول على الطعام فإن المسالة يمكن حلها. أن هذه العملية كان قد أشير إليها من وجهة نظر الجشطلت بالإستبصار (Insight). 

رأي الجشطلتيون في الذاكرة 

إن مفهوم نظرية الجشطلت حول الذاكرة لا يكاد يختلف كثيراً عما قدمه أرسطو والذي يرى أن الانطباع الحسي المدرك يتقاطع مع الأثر الذاكري المخزن، فالجشطلت ترى أن الانطباعات الحسية تخزن بالذاكرة على نحو مماثل أي بنفس الصيغة أو الشكل التي يوجد عليها الأثر ألذاكري ويختزن بنفس الآليات العصبية، وترى أن عملية التذكر أو الاسترجاع هي بمثابة إعادة تنشيط لأثر ذاكري معين من خلال استخدام نفس النشاط العصبي المستخدم في عمليات الإدراك الأولية لهذا الأثر، وتعزو سبب النسيان إلى عاملين هما: 

  • 1- صعوبة تنشيط الأثر أثناء التذكر. 
  • 2- اضمحلال الأثر بسبب التداخل مع الآثار الذاكرية الأخرى. 

وتحديداً فالجشطلت تؤكد الطبيعة الديناميكية للذاكرة حيث ترى أن النظام الإدراكي نشط وفعال يعمل بصورة دائمة على إعادة تنظيم مكونات الذاكرة في ضوء المستجدات الناجمة من فعل التفاعلات المستمرة والمتكررة مع الخبرات الحسية البيئية ،فهي ترى إن الكثير من أثار الذاكرة أثناء عمليات إعادة التنظيم ربما يعاد تنظيمها أو دمجها مع أثار أخرى أو ربما تتداخل مع غيرها ونتيجة لذلك ،ربما يحث صعوبة في عملية تذكرها. 

توظيف نظرية جشطلت في التعلم 

تعلم القراءة والكتابة للأطفال الصغار حيث يفضل أتباع الطريقة الكلية بدلاً من الطريقة الجزئية أي يحسن البدء بالجمل ثم الكلمات ثم الحروف بدلاً من البدء بتعلم الحروف. 

في حل المسائل الهندسية أو التفكير في أي مشكلة رياضية يمكن الإفادة من النظرية الكلية بالاهتمام بحصر المجال الكلي للمشكلة بحيث ينظر إليها مرة واحدة فهذا يساعد على إدراك العلاقات التي توصل إلى الحل أما إذا غفلنا بعض أجزاء المشكلة أو نظرنا إليها من زاوية واحدة من غير أن نستوعب كل جزء فيها فان هذا يعوق الوصول إلى الحل السليم. 

يمكن الإفادة من النظرية الكلية بمراعاة الفكرة القائلة بأن الكل يجب أن يسبق الأجزاء وذلك بأن تطبق هذه الفكرة في خطوات عرض موضوع معين ، إذ يحسن البدء بتوضيح النظرة العامة إلى الموضوع في جملته وبعد ذلك ننتقل إلى عرض أجزائه واحدا بعد الأخر إذ أن ذلك يساعد على فهم المدلول العام أو الوحدة الكلية للموضوع. 

في أي إنتاج فني ، سواء من حيث التعبير الفني أو التقدير الفني نجد أن الكل يسبق الجزء ، بمعنى أننا عندما ندرك صورة فنية فأن جمالها يتضح لنا لو نظرنا إليها في مجموعها العام كوحدة، بينما لو نظرنا إلى جزئياتها أولاً فقد لا نلمس ما بينها من علاقات تؤثر في التكوين الجمالي للصورة وكذلك الحال في الإنتاج الفني حيث يبدأ الرسام برسم تخطيطي عام ثم يأخذ في توضيح التفاصيل والأجزاء بالتدريج وإذا قام الفنان برسم الأجزاء أولا يصعب عليه عمل التوازن بين أجزاء الصورة بما يضمن تناسبها وجمالها، ركز ( فرتهيمر) في كتابه التفكير المنتج على نوعين من أساليب حل المشكلات أحدهما يتميز بالأصالة والاستبصار والأخر يعتمد على تطبيق القواعد القديمة وغير المناسبة للحل، واقترح أن دراسة الهندسة من المجالات المفيدة لدراسة أساليب حل المشكلات الذكية. 


رابط التحميل

لتحميل المقال بصيغة وورد word 👈 اضغط هنا

Mohammed
Mohammed