نظرية الجشطلت والتعلم
مقدمة حول نظرية الجشطلت Gestalt theory
لهذه النظرية مسميات منها ( صيغة الاستجابة، أو الشكلية، أو الاستبصار) . ظهرت هذه النظرية في بدايات القرن العشرين في المانيا على يد عالم النفس الألماني ماكس فرتهايمر (1880-1943) الذي يعد مؤسس نظرية الجشطلت وقد ساهم أيضا في تطوير أفكارها كل من ولفجانج كوهلر (1887-1967) وكورت كوفكا (1941-1886)، إذ يعد ماكس فرتهايمر من أشهر علماء النفس الجشطلت الذي عرف بظاهرته العلمية المعروفة فاي phi أي ادراك الحركة، أو الظاهرة الادراكية الخاصة بظهور الحركة من المثيرات الثابتة وذلك حين تقديمها متتابعة في وضعين متجاورين
كما نشر كوهلر كتابه عن عقلية القرود والذي ضم تجاربه عن القرود في المحيط الهادي كما ظهر كتاب لكوفكا يضم معالم عن نظرية الجشطلت والانتقادات الموجهة لتفسير الظاهرة النفسية على أسس سلوكية بحته كما نشر كوفكا كتاباً عن أسس علم النفس الجشطلت يعد المرجع الأساس لسيكولوجية الجشطلت التقليدية. إن أول المنشورات في اللغة الانكليزية تخص النظرية كانت مقالة لكوفكا عام (1922) في النشرة المعروفة باسم النشرة السيكولوجية وعنوانها (الإدراك مقدمة للنظرة الجشطلتية) وقد ترتب على هذا العنوان تاريخ طويل من سوء الفهم مؤداه أن نظرية الجشطلت نظرية مرتبطة في الأساس بمجال الإدراك ومع ان الإدراك كان من الأمور الهامة التي يركز عليها الجشطلتيون ..
إلا أن التفكير والمعرفة وحل المشكلات والشخصية وعلم النفس الاجتماعي كانت من الأمور التي تحظى بأهمية مماثلة، وفي منتصف الثلاثينات أصبحت الولايات المتحدة المقر الرئيس للنظرية بعد رحيل أصحابها الثلاث كورت ومعهم ليفين، وكان ماكس فرتهيمر مؤسس النظرية أول من أعلن المبدأ القائل بان الكل سابق لجزيئاته وأوردت مقالته عن ظاهرة فاي (إدراك الحركة) أو الظاهرة الإدراكية الخاصة بظهور الحركة من مثيرات ثابتة وذلك حين تقديمها متتابعة في وضعين متجاورين وهذه الظاهرة هي التي تفسر لنا الحركة في الصور السينمائية .
تعد هذه النظرية من اكبر الإضافات التي تناولها علم النفس الجشطلت لفهم طبيعة عملية التعليم، ظهرت هذه النظرية كرد فعل على النظريات الارتباطية للتعلم، نادت النظريات المجالية بأهمية الادراك والفهم في عملية التعلم، حيث يرى المجاليون أن التعلم يحدث كنتيجة لإدراك الكائن الحي للعلاقات المتعددة الموجودة بين مكونات الموقف التعليمي وبهذا فأنهم يؤكدون على اهمية الموقف الكلي وأهمية الدور الذي تقوم به عملیات الادراك وعمليات التفكير العقلية، وفي رأي علماء نظرية جشطلت، انه إذا اردنا إن نفهم لماذا يقوم الكائن الحي بالسلوك الذي يسلكة، لابد أن نفهم كيف يدرك هذا الكائن نفسة والموقف الذي يجدها فيه، ومن هنا كان الإدراك من القضايا الأساسية في التحليل الجشطالتي بمختلف أشكالة.
أكدت مدرسة الجشطلت مبدأ الكلية وتنطلق مبدأ أن الكل أكثر من مجموع العناصر المكونة له فهي ترى إن لكل وظيفة أو معنى معيناً يصعب إدراكه على مستوى الأجزاء، فهي تفترض أن الكائن الحي يضيف شيئاً من عنده إلى تلك الخبرة بحيث لا يعمل الكل على توحيد العناصر الحسية للفرد بل يتضمن عنصر التنظيم وهو الشئ الذي يضيفه الكائن الحي إلى هذه العناصر. وهكذا فان فهم الظاهر السلوكية لا يتم على المستوى الجزئي أي من خلال تحليلها إلى مكوناتها وعناصرها وإنما على المستوى الكلي الأكثر عموميه وشمولية لان جوهر هذه الظاهرة يتضمن في الكل وليس في مجموع العناصر.
فبالرغم من إن موضوع التعلم لم يكن المحور الأساس في هذه النظرية إلا إن ما قدمته من مبادئ حول الإدراك والتنظيم الإدراكي وحل المشكلات يسهم على نحو لا يدعو إلى الشك في فهم عملية التعلم الإنساني.
ان عملية الاستبصار تتناول عملتين من اهم العمليات العقلية التي يمارسها الفرد في مواقف التعلم وهما ( الفهم وأدراك العلاقات) وهما خاصيتان لا توجدان في التعلم في النظريات السلوكية كما ان هذا النوع من التعلم لا يحدث إلا لدى الكائنات الحية التي تقع في المستويات العليا من السلم الحيواني التي تستطيع ممارسة العمليات العقلية العليا، والاستبصار في الحقيقة هو عملية إدراك علاقة ليست مطلفة الحدوث بشكل دائم وانها تتأثر بعوامل منها :
- النضج الجسمي : أي الامكانية العضوية والجسمية التي يجب أن يمتلكها الكائن الحي لتحقيق عملية الاستبصار حينما يتطلب الموقف
- النضج العقلي أو القدرة : تختلف مستويات الأدراك بالنسبة للانسان بأختلاف نموة المعرفي فألاكثر نمولاً وخبرة يكون أكثر قدرة على تنظيم المجال وادراك العلاقات فيه.
- الخبرة : تلعب الخبرة دور هام في عملية التعلم حسب وجه نظر جشطلت
- تنظيم الخبرة : أن التعلم ماهو الا وظيفة لتنظيم المجال.
المفاهيم الاساسية في نظرية الجشطلت
- 1. جشطلت تعني صيغة أو شكل وقد بينت أن الحقيقة الرئيسية في المدرك الحسي ليست هي العناصر أو الاجزاء التي يتكون فيها المدرك وانما الشكل. ويرى البعض إن كلمة جشطلت تشير إلى الشكل ولذا تدعى بالنظرية الشكلية لأنها تركز على الشكل الجيد بالإدراك وفرضيتها أن الفرد يلجأ الى تنظيم مدركاتة على صورة اشكال وعلاقاتة تمكنة من فهم العالم من حولة. والمبدأ الأساس فيها يدعى pragnans الذي ينص على إننا نتعرف على الأشكال بعد تنظيمها للمنبهات التي تصبح أبسط وأدق وأكثر تنظيماً.
- 2. البنية أو التركيب (Structure) ترى جشطلت أن هناك بينة خاصة متأصلة لكل فرد بحيث تميزة عن غيرة وتجعل منه شيئاً منظماً ذا معنى أو وظيفة خاصة تشتمل على قوانين داخلية تحكم العلاقات.
- 3. المعنى Meaning: ما يترتب على ادراك العلاقات القائمة بين اجزاء الكل.
- 4. اعادة التنظيم (Reorganization): استبعاد التفاصيل التي تحول دون أدراك العلاقات الجوهرية في الموقف.
- 5. التنظيم (Organization) تنظيم بنية الجشطلت، أي جشطلت بطريقة خاصة مميزة وفهم تلك البنية يعني تفهم طريقة تنظيمها .
- 6. الانتقال (Transfer) إن الاختيار الحقيقي للفهم هو إمكانية انتقال الاستبصار الذي تم الحصول علية الى مواقف أخرى تشبة في بنيتها الموقف الاول ولكنها لا تختلف عنه إلا في التفاصيل السطحية.
- 7. الاستبصار :(Insight) ويعني الادراك الفجائي أو الفهم الفجائي لما بين أجزاء الموقف الاساسية.
مفهوم الاستبصار insight
الاستبصار عند مدرسة الجشطلت هو الإدراك الفجائي أو الفهم الفجائي لما بين أجزاء الموقف الأساسية من علاقات لم يدركها الفرد من قبل وذلك أثناء محاولات وأخطاء تطول أو تقصر أو هو الحل الفجائي لمشكلة سواء سبقته أم لم تسبقه محاولات وأخطاء والاستبصار دليل على إن الفرد فهم المشكلة وعرف ما يجب عمله لحلها .
خصائص الاستبصار
- 1 - يعتمد الاستبصار على تنظيم الموقف المشكل ولا تضمن الخبرة السابقة رغم أهميتها حل المشكلة فهو لا يحدث بسهولة إلا إذا نظمت أساسيات الحل بحيث يمكن إدراك العلاقات بينها .
- 2 – إذا حدث حل بالاستبصار فأن ذلك الحل يمكن أن يتكرر في الحال.
- 3 - الحل الذي يمكن الوصول إليه بالاستبصار يمكن استخدامه في مواقف جديدة لان ما يتم تعلمه بالاستبصار ليس استجابة نوعية خاصة وإنما علاقة معرفية بين وسائل وغايات.
الإدراك و قوانين التنظيم الإدراكي في نظرية الجشطلت
يعرف الإدراك بأنه عملية تنظيم المدخلات الحسية في خبرات لها معنى إذ يعد الإدراك perception كعملية ذهنية من القضايا المركزية إذ إن سيكولوجية الإدراك حالة نفسية معرفية ذهنية يعبر عنها بمدخلات ذات مسمى بعد أن تم الانتباه لها كمواضيع ثم تم تسميتها فأصبحت مدركات وبذلك فان مبادئ الإدراك تنطبق تماماً على التعلم من وجه نظر الجشطلتيون، ويرون أن عملية الإدراك لا تتم على نحو مباشر وإنما تحكمها آليات ومبادئ أو قوانين والتي من خلالها يتمكن الأفراد من فهم الأشياء وتمييزها
و إن الذاكرة تعمل على إعادة تنظيم مكوناتها الطبيعة الديناميكية للذاكرة لتشكيل ما يسمى الكل الجيد حيث تسعى إلى تنظيم العلاقات القائمة بين عناصر الخبرة لتحافظ على المعنى والبنية الكامنة فيها. أما قوانين أو مبادئ التنظيم الإدراكي فهي :
القوانين السبعة للتنظيم الإدراكي في نظرية الجشطلت
1 - قانون الشكل والخلفية figure ground law
يعد الأساس لعملية الإدراك إذ ترى نظرية الجشطالت انه من الصعوبة تمييز الأشكال وإدراكها دون وجود محك مرجعي يتم ضمن نطاقه تحديد ملامح هذه الأشكال. فالأشياء لا توجد في فراغ وإنما تقع ضمن نطاق حسي وهذا النطاق يسمى بالمجال، حيث يتألف المجال من الشكل وهو الجزء الهام السائد الذي يحتل الانتباه أما بقية المجال فيسمى الأرضية وهي مجموعة الأجزاء التي تحيط بالشكل وتعمل كخلفية متناسقة يبرز عليها هذا الشكل.
2 - قانون التشابه Similarity law
يقصد به أن العناصر المتماثلة أو المتساوية تميل الى التجمع معاً وإن المفردات المتشابهة تنتمي لمجموعة واحدة يسهل تعلمها أكثر من العناصر غير المتشابهة.
3 - قانون التقارب proximity law
المفردات القريبة أو المتجاورة يمكن فهمها إذا ما نظر إليها كمجموعة . إذ إن الأشياء تميل إلى التجمع في تكوينات إدراكية تبعاً لدرجة تقارب حدوثها الزماني أو المكاني ففي واقع الحياة العملية نحن لا نتأمل مع أحداث أو مثيرات منفصلة وإنما مجموعات من الأحداث أو المثيرات التي تشترك في تربط معين كزمان أو مكان الحدوث وعليه تخزينها واسترجاعها أسهل .
4 -قانون البساطة simplicity Law
ويشير إلى الطبيعة التبسيطية التي يمتاز بها النظام الإدراكي الإنساني إذ إننا نسعى إلى إدراك المجال على أنه منظم يشتمل على كل أشكال منتظمة وبسيطة فهو يعكس الميل إلى تكوين الكل الجيد الذي يمتاز بالانسجام والانتظام والاتساق
5 - قانون الإغلاق closure Law
المفردات التي تكون نمطاً متكاملاً مغلقاً ينظر إليها كوحدة واحدة . وبمعنى آخر أن الأشكال الكاملة أو المغلقة أكثر ثباتا من الأشكال الناقصة أو المفتوحة وذلك لان الأخيرة تميل إلى أن تكمل نفسها حتى يسهل لها أن تكون صيغة كلية في الإدراك
6 - قانون الاستمرار continuation law
المفردات التي تخلف بصورة طبيعية سلسلة مفردات أخرى ينظر إليها كمفردات تنتمي إلى السلسلة ذاتها. ويتمثل الاستمرار أو الاتصال في ميل الأشخاص إلى إدراك أي موقف إدراكي معقد على انه يتضمن خطوطاً أو أنماطا متصلة بمعنى أننا نميل إلى إدراك التنظيمات التي تتماسك أجزائها بأكبر قدر من الاستمرار والاتصال. وينطبق هذا القانون على التعلم والتذكر
7- قانون المصير أو الاتجاه المشترك common fate or direction law
الأشياء التي تمر بنفس التغيير والاتجاه تدرك كما لو كانت كل واحداً. إذ إننا نميل إلى إدراك مجموعة الأشياء التي تسير بنفس الاتجاه والتي تأخذ وضعاً معيناً على أنها تنتمي إلى مجموعة واحدة في حين الأشياء التي تختلف معها في الاتجاه تدرك على إنها مجموعة أخرى.
تابع القراءة في الصفحة التالية 👇