الحوار مع الطفل
الحوار مع الطفل ضرورة وحق أساسي له وفقاً لما نصت عليه اتفاقية حقوق الطفل. فالمادة الثانية عشرة تنص على احترام رأي الطفل : للطفل الحق في التعبير عن آرائه بحرية في جميع المسائل التي تتعلق بمصلحته، وتولى آراء الطفل الاعتبار الواجب. والمادة الثالثة عشرة تنص على حرية التعبير : للطفل الحق في حرية التعبير بشتى الوسائل وطلب المعلومات والأفكار وتلقيها.
تدور حياة الأطفال الصغار جداً حول محور العائلة والأشخاص الذين يعتنون بهم، ويعتمد تطور الطفل ذكراً كان أم أنثى، على مقدار الاهتمام والرعاية الذي يوفره له هؤلاء الأشخاص، وينمو الطفل ويتطور، جسدياً وعاطفياً واجتماعياً من خلال التكلم واللعب ومراقبة الآخرين والمشاركة في حياة الأسرة، ومع نمو الطفل ينمو أيضاً فهمه للغة وقدرته على التعبير عن أفكاره ومشاعره.
في معظم المجتمعات سرعان ما يقيم الطفل شبكة من العلاقات مع أشخاص من مختلف الأعمار، من الكبار والصغار. فضلاً عن أفراد الأسرة المباشرين : الأم والأب والإخوة. يتعلم الأطفال إقامة التواصل مع الأقارب والأصدقاء والجيران، وهم يحتاجون إلى هذه الفرص الاجتماعية الغنية بقدر حاجاتهم إلى إرشاد وتوجيه من الكبار الأقرب إليهم لكي يتطوروا عاطفياً وفكرياً.
كما أن الأطفال يعيشون منذ لحظة الولادة ضمن مجموعة اجتماعية، وهم شديدو الحساسية إزاء المناخ العاطفي المحيط بهم وإزاء تصرفات الآخرين، وحتى عندما لا يستطيع الأطفال الصغار التعبير بالكلمات عن مشاعرهم أو أفكارهم، فإنهم يعبرون عنها بشكل غير مباشر من خلال سلوكهم وطريقة لعبهم ورسمهم أو من خلال أحلامهم وكوابيسهم.
فوائد الحوار مع الطفل
ومن أهم فوائد ومميزات الحوار مع الأطفال:- حدوث ألفة بين الطفل وبين المربين سواء كانوا الوالدين أو الأقارب أو المعلمين.
- اكتشاف المشكلات التي يعانيها الطفل، حيث تظهر من خلال الحوار القائم مع .
- تقوية أواصر العلاقة بين الوالدين والطفل.
- منح الطفل مزيداً من الثقة في النفس ونشر جو من المتعة أثناء الحوار. تنامي الحصيلة اللغوية والإدراكية لدى الطفل.
- تزيد من حرية الطفل في تصرفاته وأقواله.
- تحفيز التعامل بشكل إيجابي مع النزاعات من دون اللجوء إلى العنف.
أهمية الحوار مع الطفل
للحوار أهمية عالية كونه :- يحفز الطفل ويثير دافعيته وفضوله للاكتشاف والتعلم.
- يختبر الأسئلة ويجعلنا نتأكد من مدى امتثاله للمعلومات والخبرات التي يمر بها.
- يشركه في عملية التعلم والوصول إلى النتائج.
- يشد انتباهه ويبعده عن الشرود.
- يروضه على التفكير وإبداء الرأي والقيام بالمبادرات الفردية.
- يقوي شخصية الطفل ويمنحه الثقة بنفسه والإحساس بكيانه وقيمته.
- ينمي لديه مهارات الإصغاء والتحدث.
- يشيع جواً من الحيوية ويكسر الجمود ويدفع الملل.
- يخلق جواً ديمقراطياً ويخفف من سلطة المربي ومن تبعية الطفل له.
إضافة على ذلك فإن الحوار :
- يزيد من حرية الطفل في تصرفاته وأقواله ويعلم الطفل اللغة بسرعة بحيث يكون طلق اللسان فصيحاً يتمتع بجرأة وشجاعة أدبية.
- يكسب الطفل منهج التفكير المنطقي ويساعد على ترتيب أفكاره والتعبير عن أرائه كما يدربه على سرعة البديهة.
- يدرب الطفل على الإصغاء الجيد للآخرين، وفهم مرادهم ويتعلم مهارات التواصل والحوار بطريقة علمية.
- ينمي شخصية الطفل ويصقلها، حيث إن الطفل كلما كان غنياً بذاته، مقتنعاً بمهاراته وقدراته كان أكثر إبداعاً وعطاءً، وثقة في نفسه.
- يقوي ذاكرة الطفل ويثري تجربته ويحرك تفكيره وعقله.
- يريح الطفل نفسياً من الحصر النفسي الذي يعانيه بسبب صمته احتراماً لوالديه والذي قد يؤدي إلى الشعور بالقهر.
- يخفف من الصراعات الداخلية والمشاعر العدائية.
- يتيح الفرصة أمام الوالدين ليكتشفا نفس الولد أمامهما فيجيدان التعامل معه.
- یكسر حاجز الخوف والخجل عند الطفل ويعزز القدرة لديه على بناء العلاقات الاجتماعية.
- ينمي علاقة ودودة بين الأطفال والآباء.
- يمنح الطفل القدرة على حل المشكلات الخاصة به.
- يحرر الطفل من بعض العادات والتقاليد السيئة.
مبادئ الحوار مع الطفل
الحوار مع الأطفال على اختلاف مراحل نموهم له مبادئ يحسن الالتزام بها من أجل إتمام الحوار بنجاح، وتحقيق مراميه بسهولة. وفي ما يأتي أبرز مبادئ الحوار مع الطفل :المرونة
ينبغي أن يكون الحوار مع الطفل مرناً بمعنى أن نتحلى باللطف والابتسامة، ونتجنب التشنج والعصبية، وأن نغير اتجاه حوارنا مع الطفل عندما يشعر بالملل؛ لأن الأطفال في الغالب لا ينجحون في إكمال الحوار حول موضوع ما إلى نهايته، وسرعان ما ينتقلون إلى موضوعات أخرى، وهنا ينبغي على المحاور أن يحاول إعادة الطفل إلى موضوع الحوار بلطف ولين، فإن أبى الطفل فعلى المحاور أن يجاريه ويندمج مع الموضوع الذي يفضله، أو الفكرة التي انتقل إليها.
ومن مقتضيات المرونة البساطة في الطرح؛ بمعنى أن قدرة الأطفال على التركيز محدودة، ومن ثم ينبغي أن يوصل المحاور فكرته الرئيسة من الحوار ببساطة وسهولة، ومن غير تكلف، وأن يختار كلمات واضحة ومفهومة الدلالة بعيداً عن الغموض والوعظ والإرشاد، ولغة الأمر والقسر.
ومن متطلبات المرونة : العفوية وعدم التكلف؛ لأن الأطفال يسأمون من التكلف، وينفرون منه، بينما ينجذبون ويتفاعلون مع الحوار البسيط والعفوي والتلقائي الذي يترك هامشاً للأريحية والدعابة.
الصبر
من المعلوم أن الصبر مبدأ مهم من مبادئ الحوار مع الأطفال في البيت أو المدرسة؛ لأنهم لا يملكون القدرة الكبيرة على التركيز مع المتحدث إلى أن ينهي حواره، لذا ينبغي على من يحاورهم مراعاة ذلك، وينوع في طريقة الحوار، ويستخدم استراتيجيات عديدة لجذب الطفل إليه إلى أن ينتهي الحوار وتتحقق النتيجة المرجوة.
وعلى المربي المحاور ألا يستعجل ثمرات حواره؛ لأن التربية كالمطر الخفيف (الرذاذ)؛ تتغلغل في التربة ببطء، ويكون بالنتيجة أنفع للغراس والزرع، من المطر الذي ينهمر انهماراً.
ويقتضي الصبر في الحوار مع الطفل الاستمرار والمتابعة، بمعنى أن يكون هناك حوارات منتظمة ومناقشات دائمة مع الأطفال. ولا ينبغي أن يكون الحوار متقطعاً كما يفعل كثير من الآباء الذين تزيد عندهم المدة الزمنية بين الحوار والآخر على شهر وربما شهرين مما يولد جفاء وفجوة بين الآباء والأبناء.
التنوع
من السمات الشخصية للأطفال ميلهم إلى التنوع والرغبة في التغيير في جميع شؤون حياتهم. لذا فيحسنُ بالآباء والأمهات والمعلمين أن ينوعوا في حواراتهم، وألا يستمروا بمحاورة أطفالهم في موضوع واحد ولمدة طويلة. ومن حسنات التنويع في الأحاديث التي يتم تناولها مع الأطفال ضمان تفاعلهم، وحماستهم.
الإيجابية
الأطفال يستأنسون بابتسامة المتحدث ، ودعابته، سواء أكان أباً أم معلماً. فإذا أراد الآباء والمعلمون أن تؤتي حواراتهم أُكُلها فلا بد من أن يحرصوا على أن يكونوا مرحين بسامين غـير متجهمين أو مقطبي الحواجب.
وتقتضي الإيجابية في الحوار مع الطفل مدح إنجازاته مهما كانت صغيرة، ولكنها تصبح ذات قيمة عظيمة عندما نمتدحه لقيامه بها. ومن الإيجابية تقبله كما هو، وعدم إشعاره بالنقص أو مقارنته بأقرانه. المقارنة بين شخصين - علمياً ومنطقياً - سلوك غير صحيح وغير مقبول؛ لأنهما عالمان مختلفان، ولذلك المقارنة تتم عادة بين سلوكين وليس بين شخصين، وفي المجال التربوي المقارنة بين طفلين لها من السلبيات أكثر من الإيجابيات، حيثُ تصيب المقارن الضعيف بالإحباط، وتولد لديه شعوراً بأنه مرفوض.
الوضوح
بمعنى أن يكون موضوع الحوار وفكرته واضحين ومفهومين لدى الطفل، بعيداً عن أي لبس أو غموض، وهذا يتأتى من خلال طرح الأحاديث المرتبطة بعالم الأطفال - حسب أعمارهم - واهتماماتهم، وتجنب الموضوعات التي تحيّر ذهن الطفل، ولا ترسو به على بر، ولكي يكون الحوار أو الحديث متسماً بالوضوح يحسن بالمربين الاهتمام بما يأتي :
- إعطاء أحكام وحلول صحيحة وعلمية عندما يسأل الأطفال المربين أسئلة تتعلق بقضايا دينية أو علمية دقيقة، ولا ضير في أن يقول المربي للطفل: لا تحضرني الإجابة عن هذا السؤال سأسأل عنه أحد المختصين، أو يقول: سأرجع إلى أحد المصادر التي توفر الإجابة الصحيحة.
- تجنب الإجابات المبهمة التي يتعذر على الطفل فهمها؛ خاصة عندما يطرح الطفل سؤالاً يتعلق بالكون والخالق، والحرص على إجابته إجابة صحيحة بلغة يفهمها. ومن الأسئلة المحرجة التي يمكن للطفل أن يسألها: كيف جئت؟ قل للطفل: تزوجـت أمـك بأبيك، فحملتك في بطنها تسعة أشهر، ثم أنجبتك. فإن سأل: كيف ذلك؟ استعين بموسوعة علمية مصوّرة لجسم الإنسان، وأشير بيدكِ إلى موضع الولادة بدون أن تشعر بالحرج أو تدفعه إلى الشعور بالخجل، وما عدا ذلك مِنَ الأجوبة خاطئ تربوياً، ومن أسباب تشوه المفاهيم الجنسية في أذهان أبنائنا وبناتنا!
القبول
يُعَدُّ تقبُّل الطفل كما هو عليه من حيث الخلقة والسلوك والمهارات والقدرات الذهنية مبدأ أساسياً لإنجاح عملية التواصل، إذ عندما يشعر الطفل أنه مقبول ومرحـب بـه عنـد والديه ومعلميه وأقرانه، فإن نفسه ستفيض بالمرح والتفاعل الإيجابي، وكلما كان الحوار محاطاً بالمشاعر الصادقة والنصائح الحانية كانت نتائجه أفضل .
الأطفال يحتاجون إلى المحبة والحنان حاجة الأرض الظامئة إلى المطر، والأغصان المزهرة إلى النسيم العليل والطيور المغردة إلى الآفاق الرحبة. وتحدث المأساة عندما يشعر الطفل أنه غير مقبول من قبل والديه ومعلميه، ويلقى الصد والنفور والتقريع والتثريب.