كتاب أسس البحث العلمي في العلوم التربوية والنفسية

تحليل المحتوى

مفهوم تحليل المحتوى

تحليل المحتوى Content Analysis ويسمى أيضا تحليل المضمون، أو تحليل الوثائق لاعتماده على الوصف الموضوعي لمحتويات الاتصال بشكل كمي ، ومن ثم تحليلها باستخدام التطبيق المنهجي الموضوعي القواعد التصنيف للوصول إلى استنتاجات واستدلالات مفيدة ، ومعرفة ما هو أبعد من المعلومات المتاحة من مفاهيم وأفكار ورؤى واتجاهات لم تتمكن هذه المعلومات من تقديمها بشكل واضح وصريح .

ويمكن القول أن هذا المنهج ربما يندرج تحت مفهوم التحليل الإسقاطي لأن الباحث عندما يصف ويحلل المادة فإنه لا يكتفي بالمعطيات الظاهرة فيها ويكتفي بوصفها، بل يذهب في تحليله إلى الكشف عن المضامين المخفية، أو التي تقع داخل المادة مما أغفله الكاتب، أو لم يفصح عنه لغاية أو أخرى .

ولقد تطور هذا المنهج وازدهر بسبب هذا الكم الهائل والكبير مما أنتج من مواد مكتوبة ومسموعة ومرئية لا سيما في مجال الإعلام وظهور تقنيات جديدة ساعدت على تقديم المزيد من هذه المواد وامتدت لتشمل حياة الإنسان في كل ميدان فأصبحت الدراسات والبحوث والوثائق والسجلات واللوائح والتقارير والقوانين والنشرات والخطط والأحاديث والعادات والتقاليد والصحف والمجلات والكتب وبرامج الإذاعة والتلفزيون وغير ذلك ..

إن التحليل الكمي لهذه المعلومات وفقا لمنهج تحليل المحتوى تزودنا بوصف للظروف التي أعدت خلالها الوثيقة التي نخضعها للتحليل وترشدنا لمعرفة وتشخيص الواقع للنظام السائد آنذاك، والكشف عن بعض مواطن القوة أو الخلل في البيئة السياسية والاجتماعية والثقافية آنذاك، فضلا عن أنه يزودنا بفهم وافٍ عن اتجاهات الناس وميولهم وقيمهم وأحوالهم التربوية والنفسية والاجتماعية مما يسمح لنا بتقييم النتائج والاستنتاجات من خلال عملية التحليل التي نقوم بها، وتسمح لنا بمقارنتها بعينات أخرى مماثلة من المادة المحللة .

ومعروف أن عملية التحليل وفقا لهذا المنهج تتم بشكل غير مباشر بين الباحث، والواقع الحقيقي للمعلومات التي يسعى إلى تحليلها فهو يتعامل مع الوثيقة الجاهزة فيركز على ما تتضمنه من معلومات، ويقوم بتحليلها تحليلا كميا منظما وفق قواعد المنهج العلمي لتحليل المضمون حيث يحدد وحدة إهتمامه أي من هو المستهدف بالتحليل فقد تكون مذكرات شخصية أو مجموعة خطب، أو عددا من الصحف ... الخ .

وقد يلجأ الباحث إلى تحليل المحتوى عندما تكون البيانات مقصورة على الدليل الوثائقي، وعندما لا يستطيع الاتصال بالمصادر الأولية، والأفراد المعنيين، أو عندما تكون هناك صعوبة زمانية أو مكانية لا تتيح له الاتصال المباشر بهؤلاء الأفراد، أو عندما يكون حجم المواد المراد تحليلها كبيرا ويحتاج إلى مساعدين ماهرين يعملون مع الباحث للتأكد من ثبات التحليل، فكلما كان الاتفاق بين المحللين كبيرا بوصولهم إلى نفس النتائج أثناء التحليل زادت الثقة في ثبات التحليل 

خطوات تحليل المحتوى

لكي تتم عملية التحليل بشكل موضوعي وصحيح فلا بد من توفر عنصرين مهمين هما:

أ - المحلل الباحث

وهو الذي يقوم بعملية التحليل مستندا في ذلك إلى خبرته وإعداده وقدرته على تقصي المعلومات المادية والبشرية، والتعامل معها مستخدما الوسائل التي تمكنه من الوصول إلى هدفه وفق خطة مسبقة يحدد فيها المفاهيم التي يريد تحليلها بشكل واضح ومقنن، والأساليب المساعدة التي سيستخدمها في التحليل وأن يحدد عناصر الموضوع المستهدف والمتغيرات المتعلقة به، ثم يعرض النتائج التي آل إليها التحليل بأسلوب واضح ومفهوم، ويصوغها بشكل مركز ومكثف في استخدامها في اتخاذ الإجراءات العملية من قبل أصحاب القرار .

ب - المحتوى

وهو النص المستهدف بالتحليل بكل عناصره ومتغيراته ونتائجه وزمانه ومكانه، ورصد مفاهيمه وتقسيمه إلى مساحات تختار منها عينة ،التحليل 

ويمكن حصر خطوات التحليل في :
1 - تحديد مواد الاتصال المبحوثة : وعادة ما تكون صحيفة أو كتابا أو مادة إذاعية أو برنامج تلفزيوني ، أو فيلما سينمائيا ، أو مسرحية .... الخ ويجب أن يتم ذلك الاختيار على أسس موضوعية على أن يتضمن ذلك التحديد نوعية المواد والزمن الذي صیغت خلاله .

2 - تحديد وحدات العينات المبحوثة : وهذه الوحدات هي : الكلمة Word والموضوع Theme والشخصية Charter والمفردة Item ومقياس المساحة والزمن Space and Time Measures

3 - تحديد فئات التحليل : أي تحديد فئات الاتصال ومحتواه ومعاييره والقيم المتضمنة فيه، وكيفية تحقيقه لأهدافه، علاوة على تحديد مختلف سمات الأفراد والجماعات والمجتمعات الداخلة فيه، مع تحديد الشخصيات الفاعلة في محتوى الموضوع والمصدر الذي تنتمي إليه مادة الموضوع والمكان الذي تصدر عنه، والهدف الذي تسعى إليه .

4 - تصنيف محتوى الإتصال : لأن التصنيف المنظم لتلك المحتويات هو الذي سيتيح قدرا أكبر من العلمية والموضوعية للتعميمات الناشئة عنها في مراحل تالية من البحث .

5 - تحليل البيانات المصنفة والتأكد من ثبات تحليلها : وذلك من خلال رصد تكرار الفئات المختلفة، وتحديد درجات لانتشار وسيلة الإتصال وشدة تأثيرها في جمهور القراء أو المشاهدين أو المستمعين، أما عن التأكد من مدى ثباتها... فيتمثل في إمكانية الحصول على نفس النتائج في حالات تغير المحللين أو زمن التحليل .

صعوبات تحليل المحتوى

1. يعتقد البعض أن تحليل المحتوى منهج سهل ويستطيع أن ينهض به أي باحث والواقع أن هذا المنهج يحتاج إلى باحث ماهر وكفوء ومتمرس ، وهذا الأمر ينسحب أيضا إلى مساعديه الذين يجب أن تتوفر فيهم الخبرة والكفاءة ومعرفة تفاصيل العمل .
2. ليست كل الوثائق التي بين أيدينا صادقة وحقيقية وواقعية، وعليه فإن عملية إنتقاء هذه الوثائق يجب أن تخضع للتدقيق الشديد لضمان صدقيتها وموثوقيتها، فقد يقع الباحث على وثائق تتحدث عن الحرية والديمقراطية ، والأجواء الإنسانية التي كانت تسود أحد المجتمعات في فترة ما، ولكن الرصد السياسي والتاريخي في تلك الفترة يشير إلى غير ذلك .
3. هناك بعض الوثائق المهمة التي تفيد الباحث عندما يقوم بالتحليل وتساعده في تكوين صورة ما عما يريد الوصول إليه، لكنه لا يستطيع الوصول إليها لأسباب تتعلق بسريتها، أو اتصالها بأشخاص يتقلدون مواقع مهمة أو حساسة مما يجعل هذه الوثائق محظورة التداول.
4. صعوبة إختيار العينة وإجراء الثبات من قبل باحث واحد مهما كانت كفائته أو قدرته في هذا المجال ، لذلك فلا بد أن يستعين بباحثين آخرين يمتلكون الكفاءة والأهلية للقيام بذلك 

مزايا وعيوب تحليل المحتوى

أ - المزايا

1. بما أن مصدر العمل هو الوثيقة التي يتعامل معها الباحث دون الاتصال المباشر بمصادرها البشرية فإن ذلك يعطي الباحث حرية العمل بعيدا عن الأساليب المقيدة والمحرجة فيعمل بحرية دون التقيد بزمان أو مكان .
2. إنه أسلوب حيادي لأن أحداث النص المستهدف قد وقعت في الماضي ولا تتصل بالباحث وباتجاهاته ورغباته وميوله فيتعامل معها دون تحيز أو هوى شخصي .
3. إن التعامل مع الوثيقة يقلل من الأخطاء والنسيان فهي متاحة له وبإمكانه التدقيق فيها ومراجعتها كلما أراد ذلك

ب - العيوب

1. إن الموضوعات الجاهزة والتي لا يسهم الباحث في بلورتها والإطلاع على كيفية حصولها وجمعها يكتنفها الشك دائما ما دامت مجهولة الطريقة في الجمع والكتابة والتوثيق
2. عندما نحلل الوثائق التي نتمكن من الوصول إليها فهذا لا يعني عدم وجود وثائق أخرى قد تكون أكثر أهمية منها ، لكننا لم نصلها أو أن بعض الأحداث لم تسجل في حينها، ووثقت بعض الأحداث التي قد لا تصل إلى أهمية ما فقد ولم يوثق .
3. قد تكون بعض الوثائق ذات طبيعة مثالية خصوصا الحديثة منها أو التي يعاصرها المحلل كالخطابات السياسية، أو اليوميات الخاصة ببعض الأفراد.
4. ليس بالضرورة أن تكون البيانات التي يحللها الباحث صادقة وعلمية وأمينة ، وعليه فإن النتائج - في بعض الأحيان - قد تكون هي الأخرى مضللة وغير دقيقة

تعديل المقال