مربع البحث

مسرحة المناهج الدراسية

مسرحة المناهج الدراسية






هناك مجموعة من المفاهيم المترادفة التي يجري استخدامها في مجال توظيف المسرح في التعليم مثل : الدراما التعليمية والمسرح المدرسي، والخبرة الممسرحة والتربية المسرحية، ودراما المنهاج، والخبرة الدرامية والمسرح التعليمي ومسرحة المناهج وغيرها، ولكن المفهوم الذي أعنيه هنا هو ما يتعلق بنقل المحتوى التعليمي للمباحث الدراسية إلى أذهان المتعلمين من خلال إعادة صياغته في نص مسرحي مُبسط وفق العناصر الرئيسة للفن المسرحي.

ويمكن تعريف مفهوم مسرحة المناهج بشكل عام بأنه : أسلوب لتنظيم المحتوى العلمي للمبحث الدراسي، وتدريسه من خلال إعادة تنظيم الخبرة وتشكيلها في مواقف، والتركيز على العناصر الأساسية والأفكار الهامة المراد توصيلها، ويقوم الطلبة بتمثيل الأدوار الرئيسة، المتضمنة للموقف، وذلك لتفسير وتوضيح المادة العلمية وتسهيل فهمها، برعاية وتوجيه المعلم بأسلوب جذاب متناسق الشكل والمضمون مع الحفاظ على عنصري المتعة والفائدة من خلال مجموعة متكاملة من الأشخاص والمعدات والإجراءات التي تشترك جميعا في تحقيق الأهداف التعليمية المرجوة ؛ وبهذا فإن جميع أركان العملية التعليمية التعلمية (الطالب، المعلم المنهاج ، البيئة الصفية، المدرسة، ...) تشترك معاً لتحقيق الأهداف المرجوة.

وتُعَد مسرحة المناهج شكلاً من أشكال المسرح المدرسي، ومهما تعددت تعريفاتها، فأنها تعني : (وضع المحتوى الدراسي في إطار مسرحي)، لاسيما أن المسرحية هي وسيلة تعليمية مهمة تخاطب أكثر من حاسة من حواس المتعلم.

ومن هذا المنطلق ظهرت فكرة مسرحة المناهج، إذ أنها يمكن أن تخدم جميع المواد الدراسية، وتعمل على إحيائها من جمود الرموز المكتوبة وتحويلها إلى صور حية يجسدها الطلبة، ويكون الطالب فيها مشاركاً ( مؤدياً) ، ومشاهداً (متلقياً)، ويمكن أن تخدم هذه الفكرة جميع فئات المتعلمين.

وتعتمد مسرحة المنهاج على إعادة تنظيم الخبرة وتشكيلها والتركيز على الأفكار المهمة التي تخدم الهدف التعليمي؛ الأمر الذي سيوفر القدرة على جذب انتباه المتعلمين في المواقف التعليمية والمحافظة على هذا الانتباه لفترة أطول وتيسير القدرة على استيعاب المعلومة وفهمها والتطبيق الحي لها من خلال المحفزات المتوفرة بها؛ بحيث يُمكنهم كل ذلك من التعبير عن مشاعرهم وحاجاتهم والكشف عن انفعالاتهم ودوافعهم، وإكسابهم خبرات جديدة، وتمكينهم من إعادة تنظيم الخبرات السابقة لديهم حتى تصبح ذات معنى وقيمة .

والمدخل المسرحي - وفقاً لنظرية (جاردنر ) في الذكاءات المتعددة يُعدّ من أفضل مداخل التدريس الموظفة في تنمية الذكاءات المتعددة لدى المتعلمين، فالإنسان حسب هذه النظرية - يتمتع بسبعة ذكاءات لها مناطق خاصة ترتبط بوصلات عصبية في المخ البشري، فمسرحة المناهج تنمي هذه الذكاءات لدى المتعلم ففي مجال الذكاء اللغوي تعمل على إكساب المتعلم ثروة لغوية راقية، وتكشف عن مواهبه الفنية، وتحفّز طاقاته الإبداعية، وفي ذكاء المنطق الرياضي تعمل على تعزيز مهارات التفكير المنطقي، وترتقي بالتفكير الناقد، وتعمل على تربية العقول الذكية، وتعمق المفاهيم والتعميمات، وفي الذكاء المكاني تنمي خيال المتعلم، وتنمي التذوق الجمالي والفني، وفي الذكاء النفس حركي: تدرب المتعلم على العمل الجماعي، وتوظيف جسده في التعبير وفي الذكاء الموسيقي فإنها تساعد من خلال سماع الموسيقى في الاندماج والتعايش مع الشخصيات والأحداث، ومع الجو الانفعالي للمحتوى التعليمي المُمَسرح، بالإضافة إلى أنها تنمي مواهب المتعلمين في مجال الغناء والتذوق الموسيقي وفي الذكاء الاجتماعي فإنها تنمّي العلاقات الاجتماعية، وتطور مهارات الاتصال بين المتعلمين، وتعمّق مفهوم القدوة لديهم، وفي مجال الذكاء النفسي فإنها تعالج عيوب النطق وبعض المشكلات النفسية مثل الإنطواء والخجل والتردد وتنمي فيهم الثقة بالنفس، وتساعد على الجرأة والانطلاق وتعليم الأخلاق 

العلاقة بين مسرحة المناهج والتدريس

هناك مجموعة من السمات المشتركة بين التدريس والمسرحة منها أن التخطيط لهما يتم مسبقا وأنهما يعتمدان على المعلم والمتعلم والمادة التعليمية والبيئة الصفية، وكلاهما يقدم للمتعلم الحقائق والمعلومات والمفاهيم والاتجاهات والمهارات والخبرات التعليمية داخل غرفة الصف، والمتعلم في كلا الأسلويين هو محور العملية التعليمية التعلمية، وكلاهما يعتمدان اعتمادا كلياً على النشاط اللغوي الذي يُعد الوسيلة الاتصالية الأساسية للتواصل من خلال منظومة متكاملة من العلاقات والتفاعلات، وكلاهما يلبي حاجات الطلبة من خلال تقديم المعلومة المفيدة والاهتمام بخصائصهم وحاجاتهم وميولهم ومشكلاتهم والتنبؤ بالمتغيرات السلوكية في أدائهم من خلال مرورهم بالخبرات التعليمية المنوعة، وكلاهما يستخدم استراتيجيات متنوعة محورها المعلم، واستراتيجيات أخرى محورها المتعلم من اجل تحقيق أهداف المنهج الدراسي.

العناصر الرئيسة المسرحة المناهج الدراسية

العناصر الرئيسة لمسرحة المناهج الدراسية هي: 
  • معلم المبحث المتخصص الذي يمتلك الخبرات والكفايات اللازمة لإدارة الحصة الصفية ومسرحة المحتوى التعليمي والإشراف على تنفيذه، 
  • والطالب المتلقي والمشارك، 
  • والمحتوى التعليمي المنوي توصيله للطلبة داخل غرفة الصف، 
  • والبيئة الصفية بكل ما تحويه من عناصر مادية وأدوات اتصال ونشاطات إثراثية وتفاعلية.

بينما يرى آخرون أن عناصر مسرحة المناهج هي : موضوع تعليمي، يرتبط بخبرة من الحياة بحيث يتم صياغته في قالب درامي من خلال توظيف المسرح لتقديم هذا القالب المسرحي أمام جمهور من الطلبة المستهدفين بهذا العرض الذي يتم داخل المؤسسات التعليمية للوصول إلى المنتج النهائي وهو المزيد من الفهم والتيسير

ومهما تعددت الآراء فإن العناصر الرئيسة لمسرحة المناهج الدراسية تتمركز حول المعلم والمتعلم والمحتوى التعليمي والبيئة الصفية.

العلاقة بين مسرحة المناهج والتحصيل

يُعدُّ التحصيل الدراسي من النتاجات التعلمية الهامة؛ وذلك لأنه وثيق الصلة بحياة الطالب التربوية، ويترتب عليه نجاح الطالب أو رسوبه من خلال أدائه في الاختبارات الدراسية؛ فهو يهدف إلى الكشف عن مستوى التعلّم في مبحث أو في جميع المباحث التي درسها الطالب

ويعرّف التحصيل الدراسي بأنه : درجة الاكتساب التي يحققها الفرد، أو مستوى النجاح الذي يحرزه أو يصل إليه في مادة دراسية أو مجال تعليمي أو معارف متنوعة أو مهارات معينة من خلال دراسة مادة معينة وما يدركه من علاقات بين هذه المعارف وحقائق تنعكس على أداء الطالب في اختبار يوضع وفق قواعد معينة، تمكن من تقدير أداء الطالب وقياس مدى تحصيله لما اكتسبه نتيجة التعليم أو التعلّم أو التدريب؛ لتقرير نتيجته من أجل الانتقال إلى مرحلة أخرى أو تحديد نوع ومجال الدراسة والتخصص الذي سينتقل إليه لاحقا ، أو معرفة قدراته الفردية

لقد ثبت علمياً بأن التعليم عن طريق الوسائل الحسية والبصرية أجدى وأكثر استيعابا من قبل الطلبة ، ويمكن من خلال هذه العملية تحقيق أهداف تربوية وتعليمية واجتماعية ونفسية في شخصية المؤدي والمتلقي على السواء، وقد أثبتت بعض الدراسات والنظريات التربوية أنه كلما ارتبطت الخبرات التعليمية بواقع المتعلم وأحاسيسه واحتياجاته المختلفة من خلال معايشته للموقف التعليمي بنفسه، كان تعلّمه لها أسرع وأجدى واحتفاظه بها في ذاكرته لمدة أطول؛ وبالتالي فمن البديهي أن يزداد تحصيله الأكاديمي فيها، وقد أثبتت الطريقة الدرامية . بكل صورها ووسائلها - فاعليتها في مجال التحصيل المعرفي وتوصيل أهداف المباحث الدراسية لطلبة المدارس إذا أحسن اختيار الموقف الدرامي الصفي، وهناك علاقة قوية تربط مسرحة المناهج كأسلوب تدريس أثبتت نجاعته كما دلّت نتائج الدراسات التي تم ذكرها، والتي سيرد ذكرها لاحقاً بالتحصيل الأكاديمي لطلبة المدارس.

علاقة مسرحة المناهج باتجاهات المتعلمين

الاتجاه هو: استعداد نفسي أو تهيؤ عقلي عصبي قابل للاستجابة الموجبة أو السالبة نحو أشخاص أو موضوعات أو مواقف إزاء قضية معينة، أو موضوع جدلي أو رموز في البيئة التي تستثير هذه الاستجابة. وتتأثر الاتجاهات بعوامل مكتسبة في السلوك الإنساني، فتكوينها ليس وراثياً، وإنما يكتسبه المتعلم من خلال الخبرة والممارسة التي يتعلمها، ولها مكونات ثلاثة هي (معرفية، وجدانية ،وسلوكية)، فالمكون المعرفي يشتمل على معتقدات الفرد وأفكاره وتصوراته، والمكوّن الوجداني يشير إلى مشاعر الفرد وانفعاله نحو موضوع الاتجاه، أما المكوّن السلوكي فإنه يشير إلى استعداد الفرد للقيام بأفعال واستجابات معينة تتفق مع اتجاهاته، ولذا ؛ فالاتجاه يكون نابعاً من ذات الفرد وآرائه وقيمه وأفكاره وفلسفته الخاصة نحو المواضيع المطروحة للنقاش أو الآراء .

وبما أن الاتجاهات قد تكون ايجابية أو سلبية بالإقبال نحو الشيء أو رفضه فإن الاحتمال كبير في تكوين دافعية للمتعلم نحو التقدم الدراسي أو التأخر . الدراسي، لذا فإن لمسرحة المناهج تأثير فعال في تكوين الاتجاهات الايجابية لدى الطلبة نحو الاهتمام بالتعليم بصفة عامة والموضوعات الدراسية الممسرحة؛ مما يؤثر إيجابياً نحو زيادة تحصيله الدراسي ونموّ الاتجاهات الايجابية نحو المباحث الدراسية والمدرسة والمعلم.

فمسرحة المناهج الدراسية تسعى إلى عملية تغيير الاتجاه؛ أي تكوين اتجاه جديد بشكل مقصود ومتعمد لإحلاله محل اتجاه ،قديم، إذ تتقارب أفكاره ومشاعره ومقاصده ، وتضعه في مواقف تتوافق مع معتقداته ورغباته.

ويتميّز التدريس الممسرح بقدرته على استمالة المتعلمين والتأثير فيهم، وذلك من خلال الخصائص التي يتميز بها، فمصداقيته تتحدد من خلال ما يتمتع بع من الخبرة والكفاءة والأهلية للثقة والرغبة في الكشف عن الحقائق وتقديم المعلومات الصحيحة، وجاذبيته تتمثل في أنه يهتم بحاجات المتعلمين وميولهم ويبتعد عن الطرق التقليدية التي يمارسها أغلب المعلمين 

دور المعلم في مسرحة المناهج

يرى الناصر أن للمعلم دوراً مهماً في التخطيط والتقديم والتطبيق وإثارة الأسئلة والتقييم في المسرح التعليمي؛ فهو المعلم والقائد والمخرج والممثل والموجه وهو الذي ينشئ العرض المسرحي ويشارك فيه ويقيمه مع الطلبة.

فمهمة التدريس لم تعد تقتصر فقط على مجرد إيصال حقائق جافة للطلاب فحسب أو إيصال أكبر كمية منها إلى عقولهم ؛ وإنما الأهم من هذا كله هو الكيفية التي نقدمها لهم، فالتدريس لم يعد مهنة روتينية يومية يتخذها البعض لسد حاجات مادية معينة، بل أصبح فناً وعلماً في آن واحد، والمعلم من خلال التدريس يظهر قدراته الإبتكارية والجمالية في التفكير واللغة والحركة التعبيرية والتعامل الإنساني، وعلم التدريس بالأصل يستهدف المتعلمين من أجل تحقيق التغير المحدد في شخصياتهم فكريا وعاطفيا وسلوكيا وحركيا واجتماعيا.

وبما أن التدريس يُعدّ علماً تطبيقياً، فيمكن تطبيقه من خلال عملية مسرحة المناهج، التي تُمكن المعلم من توفير مناخ مناسب وممارسات مبدعة من طريقة العملية التعليمية التعلمية داخل الغرفة الصفية تنعكس بشكل مباشر وتؤثر تأثيراً إيجابياً على الطلبة وتبوح بمكنوناتهم، فالمعلم لا يستطيع أن يبدع في مهنته إلا إذا أتيحت له الفرص الكافية للانطلاق والإبداع، وفي المحصلة فإن نجاح الدرس الممسرح يعتمد على التعاون بين جميع الأطراف المشاركة فيه.

خطوات مسرحة درس من المنهاج الدراسي

إن لمسرحة المناهج الدراسية مواصفات معينة تخص الدرس المراد مسرحته بحسب المرحلة العمرية للمتعلم ومستويات تفكيره، وفي كل مرحلة تأتي المستويات الفكرية والجمالية وفقاً لاختلاف المستويات العمرية واحتياجات كل مرحلة، ومن أهم خطوات مسرحة درس من المنهاج الدراسي : 

  1. اختيار الدرس المراد مسرحته 
  2. وتحديد الأفكار الرئيسة التي يحويها 
  3. والقيم المختلفة المراد إبرازها من خلاله
  4. وإعداد القصة المناسبة التي تحوي هذه الأفكار والمعلومات والقيم 
  5. وتحديد الشخصيات وحواراتها المناسبة للمرحلتين الدراسية والعمرية للطلبة، 

ومراعاة البناء الدرامي للنصوص المسرحية :
  • الحبكة
  • الشخوص 
  • الصراع التسلسل المنطقي، 
  • التشويق 
  • الخيال 

ومراعاة الأسس العامة للإخراج المسرحي عند تنفيذه والتناسق والانسجام بين مكوّنات العرض المختلفة، وعدم المبالغة في تجهيز عناصرىالعرض المسرحي؛ وإنما التركيز على البساطة واستغلال ما هو متوفر في المدرسة أو داخل غرفة الصف.

فوائد ممارسة مسرحة المناهج

تتميز عملية مسرحة المناهج الدراسية بقدرتها على استيعاب معظم جوانب المعرفة المتعلقة بالتعلّم، فضلاً عن قدرتها على تحفيز النشاط الذهني والبصري، وتنمية الحس الجماعي والتذوق الفني والجمالي لدى المتعلمين ومن المؤمل تحقيق فوائد كثيرة عند ممارستها داخل الغرفة الصفية منها : 
  • اكتشاف المواهب الفنية والقدرات العقلية
  • تنمية الاتجاهات الإيجابية السليمة لدى الطلبة
  • إضفاء جو المتعة في نفوسهم وتجديد نشاطهم أثناء تعلمهم داخل الغرفة الصفية
  • تنمية القدرة على التعبير الحركي واللفظي والإلقاء
  • إكساب الطلبة المهارات المختلفة معرفية عقلية لغوية حياتية، حركية وغيرها
  • علاج بعض عيوب الطلبة
  • تعويدهم على الثقة بالنفس
  • مواجهة المواقف الحياتية المختلفة
  • ترسيخ القيم والمبادئ والعادات السليمة في نفوسهم
  • تيسير فهمهم للمناهج الدراسية المختلفة من خلال تقديم المعلومات بأسلوب مشوق وجذاب، وترسيخها في أذهانهم لفترة أطول.

ومن أهم الفوائد التربوية الأخرى هي نقل المعلومات والحقائق والأفكار وتوصيلها بسهولة ويسر، وإنماء المهارات الدقيقة وتطوير الاستراتيجيات لحل المشكلات الشخصية، وإنماء القدرة على تحليل المواقف ومساعدة المتعلمين المشاركين في الأداء في رؤية أنفسهم وفهم مواقف الآخرين، وتحليل القيم وأنماط السلوك الشخصية والشعور بالراحة في التعبير عن الآراء والأفكار، وتطوير التعاطف تجاه الآخرين، واكتساب المعرفة فيما يتعلق بالمشكلات الاجتماعية والقيم، وإنماء فهم وجهات نظر الآخرين وإتاحة المجال أمام المتعلمين للتعبير عن قدراتهم الخلاقة ليمكن اكتشافها وتنميتها كالقيام بتمثيل الأدوار وإعداد المناظر والديكور والموسيقى، إذ يعتمد ما يحققه الطلبة من إشباع المشاركاتهم في القيام بهذا النشاط على مدى تحقيقهم لذواتهم ومدى تنميتهم لكفاءاتهم وقدراتهم المختلفة.




تعليقات




    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -