مربع البحث

نمو ما بعد الصدمة

نمو ما بعد الصدمة






مفهوم نمو ما بعد الصدمة Posttraumatic Growth

يعرفه تيديشي وكالهون Tedeschi & alhoun بأنها : حالة تغيير ونمو نفسي إيجابي للأفراد الذين تعرضوا لخبرات وأحداث صادمة خلال فترة حياتهم، أدت لتغير جذري بجوانب شخصيتهم على المستوى الشخصي من خلال نظرتهم لأنفسهم وعلى مستوى علاقاتهم بالآخرين وعلى مستوى نظرتهم للحياة ككل. ويضيف بأنه : تطور ونمو نفسي إيجابي شامل بجوانب الشخصية

وهو تغير إيجابي من ذوي الخبرة نتيجة الصراع مع درجة عالية من ظروف الحياة الصعبة، وهو يحدث نتيجة التغير الإيجابي بعد تجربة الحياة المؤلمة.

ويعرفه Richard & other أنه تجربة التغيير والنمو والتطور الإيجابي الذي يحدث نتيجة الصراع مع أزمات الحياة الصعبة والمؤلمة، ويتجلى ذلك من خلال مجموعة متنوعة من الطرق بما في ذلك زيادة التقدير للحياة في العلاقات العامة بين الأشخاص، ويصبح الفرد أكثر وضوحًا، ولديه شعور متزايد من قوة الشخصية، ولديه تغير في الأولويات، وظهور حياة وجودية وروحية أكثر ثراءً.

نمو ما بعد الصدمة يتمثل في النمو والنضج والتغيير والتطور الإيجابي الذي قد يظهر على الفرد بعد تعرضه للصدمات النفسية المختلفة حيث أن الصدمات والأحداث الصعبة لها جانبها الآخر الإيجابي، فهي قد تقوي الأفراد وتنمي خبراتهم، وتؤدي إلى تغييرات إيجابية لديهم، كما أنها تزيد من قدرتهم على الصمود أمام المصاعب التي قد يواجهونها.

ويفرق العديد من الباحثين بين مصطلح "نمو ما بعد الصدمة "Posttraumatic Growth" ومصطلح المرونة النفسية "Psychological Resilience" ، حيث أن نمو ما بعد الصدمة هو التطور والنمو الإيجابي بالشخصية، وينتج عن تعرض الفرد لخبرة صادمة، أما المرونة النفسية فهي سمة من سمات شخصية الفرد وعملية توافق جيدة ومواجهة إيجابية للشدائد التي يواجهها البشر .

ويشير الباحثين أن نمو"ما بعد الصدمة" أكثر شيوعاً لدى الأفراد الذين تعرضوا لصدمات من اضطرابات ما بعد الصدمة، ويرى العلماء أن النمو والتغيير الإيجابي للفرد بعد الصدمة هما الأساس.

ولا يعني هذا التقليل من خطورة الضغوط والقلق والاكتئاب التي يتعرض لها الإنسان بعد الصدمة، ولا تجعلنا بالطبع نستهين بمعاناته، ولكن مع الأخذ بعين الاعتبار الأضرار السلبية، علينا هنا أن نرى أيضًا الجوانب الإيجابية
 
و يرى كثيرمن الباحثين أن نمو ما بعد الصدمة، هو ذلك الشعور بأن الإنسان قد ازداد حكمة و فهماً للحياة بعد تعرضه لهذه الصدمة، وتطورت حياته بعد حدوثها ، فكثيرا ما نرى أناسا ازداد تقديرهم للحياة بعد نجاتهم من حادث مروا به أو من قرروا الالتزام أو تغيير أفكارهم بعد شفائهم من مرض قاتل، أو هؤلاء الذين وهبوا حياتهم لمساعدة الآخرين بعد أن ذاقوا بأنفسهم مرارة المعاناة .

كما أن الأشخاص تتفاوت في قدرتهم على تحمل الصدمات فمنهم من يستطيع أن يتجاوز هذه الأزمات ولا تقف العقبات والصعوبات عائقاً أمامه بل تزيد من إصراره على المواصلة ومنهم من يرى أن هذه الصدمات عائق تجعل الحياة تتوقف من وجهة نظرهم
ويرى علماء علم النفس الإيجابي، أن الصدمة لا يتبعها اضطراب للحياة بالضرورة، بل يمكن للمحنة أن تكون منحة، أو كما يقال: "من الابتلاءات ما يجعلك أكثر قوة"، فهناك بعض الناس تنهار حياتهم عندما يتعرضون لمصيبة وهناك العكس قد يُحدث لهم ارتقاء نفسيًا وروحيًا بشكل ما. فهناك من يتعرضون لابتلاءات عظيمة ويحتسبون أجرهم على الله إيماناً لقوله تعالى ۞ ولَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمَوَالِ والأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ۞ (سورة البقرة: 155).

وانبثق مصطلح نمو ما بعد الصدمة عن علم النفس الإيجابي والذي يركز على الجوانب الإيجابية في الشخصية، ويقصد بعلم النفس الإيجابي Positive psychology : "هو الدراسة العملية ذات الطبيعة النظرية والتطبيقية للخبرات الإيجابية، وللخصال أو السمات الشخصية الفردية الإيجابية، وللمؤسسات النفسية والاجتماعية التي تعمل على تيسير وتنمية هذه الخبرات والخصال والارتقاء بها، لخلق إنسان ذي شخصية فعالة ومؤثرة تهتم بالإضافة إلى ما هو كائن، بما ينبغي أن يكون".

مجالات نمو ما بعد الصدمة

تشير Jayawickreme & Blackie إلى أن العديد من الباحثين يتفقون على أن مجالات نمو ما بعد الصدمة تظهر في خمسة مجالات أساسية هي :
  1. تحسين العلاقات مع الآخرين .
  2. تحديد إمكانيات جديدة لحياة المرء.
  3. زيادة إدراك القوة الشخصية.
  4. النمو الروحي.
  5. تقدير الحياة بشكل أكثر من السابق .

أي أن نمو ما بعد الصدمة قد يشكل أحد أكثر متغيرات علم النفس الإيجابي تعبيرا عن الصلابة النفسية والنضج الانفعالي والنمو والارتقاء النفسي؛ من خلال تغيير زوايا الرؤية لمصاعب ومشكلات الحياة وإعادة ترشيحها لتشكل في النهاية تغييرا إيجابيا للإنسان من حيث نظرته للأمور وللأخرين من حوله حيث يعيد ترتيب أولوياته ويتعلم كيف يستثمر مكتسباته ، وأن يستأنف المسير في هذه الحياة، وقد ازداد صمودا وحكمة واستبصار.



مسارات نمو ما بعد الصدمة

نمو ما بعد الصدمة كما سبق يختص بمختلف التغيرات الإيجابية الناتجة عن معايشة صراع عميق يرتبط بأحداث حياتيّة مهدّدة وخطيرة مرض خطير، اعتداءات هجوم مسلح... وغيرها، أين يجد الفرد نفسه أمام مسألة الحياة أو الموت؛ ما يعني أن هذه التغيرات الإيجابية لا يمكن أن تنتج إلا في سياق صدمي لبعض تجارب الحياة.

ونمو مابعد الصدمة يتم من خلال ثلاثة مسارات وهي كما يلي :
  • المسار الأول : مستوى توظيف ما قبل الصدمة هو النقطة المرجعية لهذا المفهوم، حيث يظهر تدهور كبير كتعبير أولي عن إعادة المعايشة الصدمية والممثل بانخفاض مستوى توظيف ما بعد الصدمة مقارنة بمستوى توظيف ما قبل الصدمة، أين يعيد الشخص إحياء الحدث الصدمي.
  • المسار الثاني : مسار البناء حيث يتم على مستواه استرجاع وبناء مستوى توظيف شبيه أو مكافئ لمستوى توظيف ما قبل الصدمة.
  • المسار الثالث : مسار النمو ويتمثل في التعافي من الصدمة، حيث ينجح الشخص في الحصول على مستوى توظيف مرتفع مقارنة بما كان عليه قبل التعرض للصدمة والذي يعرف بـ: نمو ما بعد الصدمة.

خصائص نمو ما بعد الصدمة

يتميز نمو ما بعد الصدمة ببعض الخصائص نوجزها فيما يلي :
  • يرتبط حدوثه بمستويات مرتفعة من المشقة.
  • هو نتائج للصراع مع الصدمة ولا يعتبر ميكانيزما تكيفيا.
  • يشير إلى سيرورة مستمرة تتغير تبعا للظروف التي يمر بها الفرد.
  • يعتبر سيرورة نفسيّة تظهر عندما تنهار المعتقدات ومخطّطات التوظيف السابقة بعد التعرض لحدث صدمي.
  • لا يقصي نمو ما بعد الصدمة وجود الضيق أو الانفعالات السلبية المرتبطة بالصدمة حيث يمكن للفرد أن يطوّره رغم معاناته من تبعاتها السلبية.
  • يتطلب نمو ما بعد الصدمة وجود الإجهاد والانفعالات القوية كعناصر ضرورية لكنها غير كافية له، فهي تفرّق بين نمو ما بعد الصدمة والنمو العادي المرتبط بالزمن. 

إن هذه الخصائص على اختلافها تعتبر ضرورية لإنتاج المعالجة المعرفية للأحداث الصدمية التي يخبرها الفرد والتي تنشأ خلال تشكل نمو ما بعد الصدمة ما يسهم في تغيير وتقوية رؤيته حول الذات، الآخرين والعالم وكذا نمط الحياة بشكل عام.

نمو ما بعد الصدمة والتطبيقات العلاجية

لكل تغيّر إيجابي في مجال نمو ما بعد الصدمة أهميّة وقيمة وهي رؤية تتوافق مع العديد من التوجهات في مجال العلاج النّفسي، والمقاربات الإنسانية والوجوديّة لعلم النفس والتي اعتبرت في مجملها النمو والتطوّر أحد أسس ومرتكزات النشاط العلاجي، فالوعي بقدرات التغيّر الإيجابي بعد التعرّض لاجهاد حاد أو لحدث صدمي لا يعني بالضرورة انتظار تطوير PTG لدى الجميع، كما أنّ نمو ما بعد الصدمة مصدره الفرد ذاته وليس الحدث على اختلاف خصائصه في سياق سيرورة المواجهة المعرفيّة، الانفعاليّة والسلوكيّة. 

ويحدث نمو ما بعد الصدمة بعد التعرض لصدمة وهو سيرورة عادية؛ فكل فرد يمتلك دينامية داخلية فطرية للتوصل إليه يجب على المعالج تحفيزها ودعمها ليس فقط بالوقوف على ضرورة الإجابة على أسئلة المفحوصين حول معنى تجاربهم الحياتية والصدميّة لأنها تجارب وخبرات شخصيّة إنّما تكمن مهمته في منحهم الفرصة لإيجاد معنى لهذه التجارب في إطار مقاربة علاجية غير موجّهة وديناميّة تسمح بتحفيزهم للحديث عن خبراتهم بإدماج بعض التقنيات كالمهام التي تنجز في البيت استعمال أدوات قياس نفسي تقيّم درجة إدراكهم للتغيّر فيما يتعلّق بالأحداث المعاشة. 

ويسعى المعالج في ضوء ذلك إلى إيصال التفهم والتقبّل للمفحوصين بدلا من التخفيف من الأعراض أو إجبارهم على السير باتجاه التغيّر والنمو ، فمهمته لا تنحصر فقط في جعل المفحوصين في حالة أفضل فقط إنّما تتعدّى ذلك إلى محاولة توفير بيئة اجتماعيّة مشجّعة لتطوير نمو ما بعد الصدمة .
تعليقات




    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -