مربع البحث

كيف نساهم في صناعة شخصية أبنائنا

كيف نساهم في صناعة شخصية أبنائنا





الإجابة على هذا السؤال تستدعى تلخيص فاعلية كل من الوراثة والمحيط وطريقة عملهما في تكوين إنسان ذى ملامح وسمات معينة، تتقصد إنتاجه وتستهدف نشر المعرفة الخاصة بطريقة وقائية من كل عامل أو سبب يؤدى به إلى مجانبة القصد والهدف من إنتاجه .


وقبل أن ندخل في صميم التوصيات الرسالية التي تضع أيدينا على الطريق السليم لابد أن نسلّم بما سلّم به علماء الوراثة والمحيط من حقائق أساسية في تفاعل هذين العاملين وتضافر جهودهما في صياغة الإنسان الذي نريده وننشده، فالله يجرى الأمور على ما يقتضيه لا على ما نرتضيه.


ولا نستطيع نحن تجاوز السنن والنواميس التي وضعها الله تعالى منهجاً للكون والحياة فنفشل في جهدنا دون طائل، وعلي - رضي الله عنه - يقول : "من كابر الزمان غُلب ، و من عتب على الزمان طالت معاتبته" .

لذا فلابد لنا من الرجوع إلى حقائق العلم والتجربة ونلتزم بتوصيات الرسالة الإسلامية التي كشفت حقيقة العوامل الدخيلة في صناعة الإنسان وعلمته سبيل الاختيار الأنجح وحفزته على اجتناب الطرق التى لا تؤدي إلا إلى ضعف المجتمع و دماره وتدهور بنيته .

ومن هذه الحقائق التي على ضوئها نقدر على تخير السبيل الصحيح هي:
إن عاملي الوراثة والمحيط يعملان متكاملين متعاضدين لا متنافرين متضادين، فالمحيط الجيد يستطيع أن يخفف الأثر السيئ للوراثة السيئة، وأن الوراثة الجيدة تستطيع أن تقى الإنسان من شرور المحيط السيئ إلى حد بعيد، وأن الطامة الكبرى هى فى اجتماع محيط سيئ ووراثة سيئة في إنسان بعينه، والسعادة الكبرى إنما تكون في اجتماع وراثة جيدة ومحيط جيد في إنسان بعينه .

إن المحيط الجيد يرافق عادة الوراثة الجيدة، وإن المحيط السيئ يرافق عادة الوراثة السيئة. فأبناء الطبقات الفقيرة لا يرثون فى المعتاد ذكاء منحطاً وقدرات عقلية متواضعة فحسب بل يرثون أيضاً مفاهيم أخلاقية فقيرة وحياة مادية مدقعة ولغة قذرة وطرائق تعامل غير مقبولة اجتماعيا ؛ وذلك لأن الفقر ملازم لحالة اجتماعية متأخرة وصحية متردية وتعليمية متدنية، والفقير مشغول بهمه الاقتصادي لا يكون على شيء أكثر من حاجاته الغريزية الأساسية .

إن تعاقب الأجيال يزيد حسن الحسن، وسوء السيئ، حتى يأتي حين من الدهر يكون الفارق كثيراً بين الاثنين، فالطفل الذي يولد بوراثة جيدة وفي بيئة غنية ماديًا وأخلاقيا تهيأ له الفرص لاستغلال مواهبه وتفتيحها وتنميتها ثم يزوج بزوجة مقارنة له فى الذكاء واليسر الاقتصادي والأخلاقي فيتزايد على الأيام ارتقاء نسلمها، أما الطفل ذو الوراثة السيئة المولود في بيئة فقيرة متأخرة اجتماعيا فيأتمر به الغباء وسوء الأخلاق والفقر ليدفعاه إلى أحضان من هي أغبى منه وأفقر ولتلد له - في الأعم الأغلب - مولوداً يتزايد غباؤه وتأخره فيقف هذا قريبا من الخطيئة والجريمة والشذوذ والجنوح. وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك فيما قصه علينا من خبر قوم نبيه نوح - عليه السلام - حين دعا عليهم بقوله: ﴿رَبَ لا تذر عَلَى الأَرْضِ من الْكَافِرِينَ ديارا ۝ إِنَّكَ إِن تَذرهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلدُوا إِلا فَاجِرًا كَفَّارًا﴾ [نوح]، إدراكا منه - عليه السلام - لمصير الأجيال الآتية التي ستنشأ تحت رعاية هؤلاء القوم الكافرين المعاندين .

إن الطفل لا يرث جسد والديه وقدراتهما الفطرية وقصورهما العضوى البنائي فحسب ولكنه يرث إلى جانب ذلك طريقتهما في الحياة والتعامل ومفاهيمهما الاجتماعية والأخلاقية ومعتقداتهما الدينية والسياسية ومواقفهما في الحياة ولذلك فنحن نرى غالبًا أن ابن الغضوب غضوب ، وابن العصبي عصبي، وابن المتدين متدين ، وابن المتهتك أخلاقيا متهتك مثله ، كما نرى أن ثمة عوائل اشتهرت بالمرح أو التعصب أو سرعة الغضب أو التحسس الفائق أو التزمت في تعاملها وعرفت بين الناس بمثل هذه السمات البارزة وإلى مثل هذا يشير علي - رضي الله عنه - بقوله : «خير ما ورث الآباء الأبناء الأدب»، «وبئس النسب سوء الأدب».

إن ما يورث من الآباء إلى الأبناء هو ما كان على صلة ببناء العضوية وأصل تكوينها، لا ما طرأ عليها خلال حياتها القصيرة ولم يؤثر في طبيعة بنائها . وهذا يعنى أن ما يورث حقا كضعف الرئة وتشوه مراكز الدماغ (نتيجة الإصابة بالزهرى كما يورث المواهب الفائقة أو القدرات الضعيفة.

والذي يبقى لعمل المحيط هو إبراز هذه المواهب الموروثة وتنميتها أو خنقها وطمسها، وكذلك يبقى للمحيط أن يؤثر - على مر الأجيال - في تحسين وراثة الأبناء أو إساءتها عبر الأجيال.

ولذلك من يستورث من والديه ضعفه العقلي وغباءه لا تستطيع عوامل المحيط أن تقدم له معونة تذكر .

فالقصور العقلى مسألة وراثية والشذوذ يورث إذا كان أصله بنائيا، أما الإجرام فبالرغم من إمكان نشوئه عن أسباب جسدية مادية، إلا أنه يرجع في معظمهم إلى أسباب محيطية، وأما الجنون فينطبق عليه ما ينطبق على الشذوذ، بمعنى أنه وراثى حين يكون على صلة بأسباب بنائية .

ويتضح مما تقدم أن عوامل المحيط ذات تأثير كبير على المنحى العام لشخصية الفرد؛ لذا تعتبر التربية إلى مدى بعيد مسئولة عن سلامة الإنسان ورشده. وعوامل المحيط - كما هو معلوم - عديدة فالعائلة والمدرسة والمسجد ووسائل الإعلام والشارع والنادى والمنظمة والحزب وسواها عوامل محيطية معروفة، ظاهرة القيمة واضحة الأهمية تشترك كلها وضمن أدوارها الخاصة في تطبيع وتعديل الإمكانات الخاصة بالفرد وتوجيهها تبعاً لبرامجها وخططها.
تعليقات




    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -