إطفاء السلوك
إذا كان السلوك الذي يعزز يقوى ويستمر ، فالسلوك الذي لا يعزز يضعف وقد يتوقف نهائياً بعد فترة زمنية معينة. وهذا هو الافتراض الذي يستند إليه إجراء تقليل السلوك المسمى بالإطفاء أو التجاهل المنظم (Planned ignoring) .
فالإطفاء لا يشتمل على استخدام المثيرات البغيضة ، لتقليل السلوك غير المقبول . ولكنه يشتمل على ايقاف أو إلغاء المعززات التي كانت تتبع السلوك غير المقبول في الماضي والتي كانت تحافظ على استمراريته . فتوقف الأم عن حمل طفلها عندما يبكي بعد مدة طويلة كانت أثناءها تحمله باستمرار في حالة بكائه ، هو مثال على الإطفاء والمعلم الذي يسأل الطلبة في الصف سؤالاً معيناً، فيقف أحد الطلبة ملوحاً بيده وقائلاً: "أنا أستاذ ، أنا أعرف فلا يطلب المعلم من الطالب أن يجيب عن السؤال ، يكون قد أخضع سلوك الطالب للإطفاء" .
كيفية استخدام الإطفاء
قد يخيل للقارئ أن من السهل استخدام الإطفاء ؛ إذ أن كل ما هو مطلوب إيقاف التعزيز. والحقيقة هي أنه من الصعب جداً تطبيق هذا الإجراء بشكل فعال . إذ إنه ليس من السهل أبداً ، بل أحياناً قد يكون من المستحيل تحديد جميع المعززات التي تحافظ على استمرارية السلوك وضبطها، ودون ذلك لن يكون الإطفاء فعالاً . وهذه الصعوبة تتم مواجهتها خاصة إذا كان السلوك المستهدف يخضع لجدول تعزيز متقطع ، فالمعالج في هذه الحالة قد لا تتوفر له الفرص لملاحظة سلوك الفرد بما فيه الكفاية ليحدد معززاته ومن أجل زيادة احتمال نجاح الإطفاء ، نحتاج إلى أخـذ الـنـقـاط الـتـالـيـة بـعـين الاهتمام :
- يجب تحديد معززات الفرد، وذلك يتم من خلال الملاحظة المباشرة . وبالطبع قد يكون هناك أكثر من معزز واحد ؛ لذا علينا تحديد كل المعززات من أجل إيقافها جميعاً
- إن استخدام إجراءات تعديل السلوك بشكل منظم، ذو أهمـيـة قـصـوى لنجاحها. وهذا المبدأ يكتسب أهمية خاصة عند استخدام الإطفاء
- يجب تحديد المواقف التي سيحدث فيها الإطفاء ، ويجب توضيح ذلك جيداً للفرد قبل البدء بتطبيق الإجراء .
- الإطفاء حتى لو استخدم بمفرده إجراء فعال لتقليل السلوك ويكون أكثر فعالية إذ عملنا على تعزيز السلوكات المقبولة في الوقت نفسه
- يجب التأكد من أن كل من يهمهم الأمر (كالوالدين ، والزملاء ، والمعلمين ، الخ) سيساهمون في انجاح الإجراء، وذلك بالامتناع عن تعزيز الفرد أثناء خضوع سلوكه غير المقبول للإطفاء . فتعزيز السلوك ولو مرة واحدة ، أثناء خضوعه للإطفاء سيؤدي ببساطة إلى فشل الإجراء .
إحدى الدراسات التي أوضحت هذه الحقيقة ، هي الدراسة التي قام بها وليامز (1959 ,Williams). فلقد استخدم هذا الباحث الإطفاء لإيقاف بكاء طفل عمره 21 شهراً ، كان قد أمضى الثمانية عشر شهراً الاولى من حياته مريضاً جداً ، وكان أهله يبدون حنانا وانتباها كبيرين نحوه بسبب حالته الصحية . وبعد المعالجة الطبية تحسنت صحته ، إلا أنه استمر في محاولة نيل انتباه أهله بشكل متواصل. فكان يبكي بلا انقطاع إذا وضعوه في سريره وابتعدوا عنه . كانوا لذلك يجلسون بجواره إلى أن ينام ، وكانوا يقضون قرابة الساعتين ليلياً على ذلك النحو ؛ مما دفعهم إلى الطلب من وليامز معالجة ابنهم .
وعندما تأكد هذا المعالج أن الطفل لم يعد مريضاً ، وأن صحته ممتازة اقترح على أهله استخدام الإطفاء لإيقاف بكائه . واشتمل الإجراء على تجاهل الطفل وعدم العودة إليه ، بعد وضعه في سريره بغض النظر عن بكائه . وطلب الباحث من والدي الطفل قياس مدة بكاء الطفل ليلاً بعد وضعه في سريره. وقد أدى هذا الإجراء إلى توقف الطفل عن البكاء في أيام قليلة .
كذلك فإن الاستخدام الفعال للاطفاء يستلزم الانتباه إلى الخصائص التالية التي يتصف بها السلوك عند خضوعه لهذا الإجراء :
- أ - بالرغم من أن الإطفاء إجراء تقليل إلا أن السلوك يقوى تقليدياً في البداية بدلاً من أن يضعف. إن هذه الظاهرة ليست مفاجئة ولا هي سيئة ونقول ليست مفاجئة لأن الفرد سوف يبدي مقاومة عنيفة في البداية لتوقف التعزيز ، فهو سيحاول كل ما في جهده للحصول عليه كالمعتاد في معظم الأحيان، فإن ذلك يكون نتيجة لنجاح الفرد في الماضي في ضمان استمرار حصوله على المعززات بطرق مختلفة. كذلك فهذه الظاهرة في الحقيقة ليست سيئة ، لأن زيادة السلوك في البداية هي مؤشر على أننا عرفنا معززات الفرد. وللأسف فإن زيادة السلوك في البداية. غالباً ما تدفع الكثيرين إلى التوقف عن الإطفاء. لذلك فإن علينا توقع هذه الظاهرة والاستمرار في استخدام الإطفاء؛لأنه سيعمل في النهاية على توقف السلوك غير المقبول
- ب - كذلك فالإطفاء يؤدي إلى ظهور استجابات انفعالية مختلفة في البداية ( كالعدوان والغضب وخاصة في المراحل الأولى فماذا يحدث عندما تحاول تشغيل التلفزيون فتكتشف أنه تعطل ؟ في البداية ستحاول تشغيله مرة بعد أخرى ، فإذا تبين لك بعد عدة مرات أنه لم يعد يعمل ، فأنت قد تغضب وقد تضرب التلفزيون ، الخ . إن سلوكك في هذه الحالة يكون قد خضع للإطفاء . فتشغيلك التلفزيون كان يعزز دائماً ، والتعزيز هو مشاهدة البرامج التلفزيونية ، أما الآن فالتعزيز قد توقف فلا صوت تسمعه ولا صورة تشاهدها، وهكذا فالإطفاء يؤدي إلى ظهور سلوكات عدوانية ، قد تكون موجهة نحو المعالج ، أو نحو الذات أو نحو الآخرين. وعلينا توقع هذه الظاهرة المعروفة بالعدوان الناتج عن الإطفاء Extinction Induced Aggression ؛ لنستطيع التعامل معها . ولعل تجاهل هذه السلوكات هو أفضل طريقة للتعامل معها ، فإذا لم يكن بمقدورنا تجاهلها (أي إذا كانت السلوكات مؤذية) فعلينا البحث عن إجراء تقليل آخر لإيقافها.
- جـ - لا يعمل الإطفاء على إيقاف السلوك فوراً ، بل إن توقف السلوك غالباً ما يكون تدريجياً ، فإذا حاولنا أن نفتح باب البيت فوجدنا أنه لم يعد يفتح فذلك لن يؤدي بنا إلى عدم الاستمرار في محاولة فتحه ، ولكننا نحاول فتحه مرة تلو الأخرى ولا نتوقف عن ذلك إلا بعد محاولات عديدة فاشلة
وتتوقف سرعة اختفاء السلوك عند خضوعه للإطفاء على عدة عوامل منها :
- كمية التعزيز التي حصل عليها الفرد في الماضي ، فكلما كانت كمية التعزيز أقل كان إختفاء السلوك أبطأ .
- جدول التعزيز الذي كان السلوك يخضع له. فكما هو معروف ، يبدي السلوك الذي يخضع لجدول تعزيز متقطع مقاومة أكبر للإطفاء من السلوك الذي يخضع لجدول تعزيز متواصل .
- درجة الحرمان من المعزز ، فالشخص الذي مضى عليه وقت طويل نسبياً دون الحصول على المعزز سيبدي مقاومة أكبر للإطفاء ، من الشخص الذي توفر له المعزز مدة طويلة قبل خضوعه للإطفاء .
- مقدار الجهد الذي يتطلبه السلوك من الفرد ، فكلما كان الجهد أكبر كانت مقاومة السلوك للإطفاء أقل .
في بعض الأحيان قد يظهر السلوك من جديد بعد اختفائه ، وهذه الظاهرة تسمى بالاستعادة التلقائية (Spontaneous Recovery) . ولا يعطي مُعدل السلوك اهتماما كبيرا بهذه الظاهرة لأنها سرعان ما تزول إذا تم تجاهلها، وهذه الخصائص لا تقلل من أهمية الإطفاء بالطبع. فهذا الإجراء إذا ما استخدم بشكل فعال يخفض السلوك غير المرغوب به ، وعادة ما يكون أثره دائماً . إلا أن هناك بعض الحالات التي لا يكون فيها الإطفاء مناسباً ، فالتجاهل المنظم ليس مناسباً مثلاً لمعالجة السلوكات العدوانية أو الخطرة . بمعنى آخر، فبعض السلوكات لا يمكن تجاهلها ببساطة