مربع البحث

التقاعد وآثاره النفسية

التقاعد وآثاره النفسية




تعريف التقاعد

یعدّ التقاعد أول تحوّل في حیاة المسن، ویبدو أن تأثیراتھ على الصحة الجسدیة والعقلیةتختلف من شخص إلى آخر تبعاً لسبب التقاعد، وتبعاً لاتجاه الشخص نفسھ حیال خبرة التقاعد.ویعاني ثلث المتقاعدین تقریباً من صعوبات تكیفیة مع أوجھ معینّة من التقاعد، مثل انخفاض المدخول، تغیرّ الأدوار الاجتماعیة، وتبدلّ المسمیات الوظیفیة. ویختار بعض المسنین التقاعد طوعًا، في حین یجبر البعض الآخر على التقاعد بسبب المرض أو بسبب خسارة العمل. إلا أن الاستعدادات المناسبة للتقاعد وتوفیر خدمات الإرشاد الأسري للمتقاعدین ولأفراد أسرھم الذینی عانون من مشاكل ما، قد تكون مفیدة .

التقاعد ھو النقطة التي یتوقف الشخص فیھا عن العمل تمامًا، حیث یتم إحالة العدید من الناس إلى التقاعد عندما یصبحون غیر مؤھلین للعمل بسبب كبر السن. ویحصل المسنّ في أغلب الدول على نصف الراتب الذي كان یتقاضاه أثناء العمل، وتعدّ ألمانیا أول دولة تدخل نظام التقاعد في العام 1880 . وفي الوقت الحاضر فإن معظم البلدان المتقدمة لدیھا أنظمة لتوفیر معاشات التقاعد، والتي قد تكون برعایة من قبل أرباب العمل أو الدولة .

ومن ناحیة أخرى عرّف فیلدمان و بیر الشخص المتقاعد بأنھ كل من ترك وظیفتھ سواء أكان إجباریاً بسبب بلوغھ سن التقاعد، أو اختیاریاً بسبب ظروفھ الصحیة .

وعرف آخرون المتقاعد ھو ذلك الشخص الذي بلغ العمر الذي یحددّه قانون المعاشات في كل بلد، ولا یقوم على أثر ذلك بممارسة أي عمل. وھذا التعریف لا یضمّ بطبیعة الحال المتقاعدین بسبب المرض أو باختیارھم الشخصي له .

أعراض التقاعد

یلاحظ أن مفھوم التقاعد یرتبط بمفھوم الوظیفة أكثر من ارتباطھ بمفھوم العمل. فالتقاعد یعني انقطاع الشخص عن أداء وظیفة ما ظلّ یؤدیھا حتى بلوغ سن التقاعد وھو یتراوح ما بینالستین والأربعة والستین في معظم بلدان العالم. ولكن ھذا الأمر لا یعني أن الشخص أصبح غیر قادر على العمل. في الواقع إن قرار التقاعد یتأثر بعدد من العوامل، مثل توفر الضمان الصحي،الموارد المالیة، التكامل بین الزوجین. وأشارت العدید من الدراسات إلى الوضع الصحي كمحدد أساسي، فتبینّ على سبیل المثال أن العمال الذین لا یتمتعون بصحة جیدة ویعانون من حالات صحیة مرضیة یتقاعدون في سن مبكرة مقارنة بأولئك الذین یتمتعون بصحة جیدة.

وبدورھما وجد كلّ من“دیویر و میتشیل” أن المشاكل الصحیة تؤثر على سلوك الشخصأكثر من العوامل الاقتصادیة عندما یتقاعد. كما أشار”إیتنیر” إلى تأثیر الاضطرابات العقلیة على الذكور والإناث العاملین لجھة تقلیص سن العمل لدیھم وبالتالي إجبارھم على التقاعد. بالمقابل لوحظ ازدیاد أعراض الاكتئاب لدى النساء العاملات بعد فترة التقاعد، خاصة إذا كان التقاعد مفروضًا علیھن، كما أن الأثر یزداد في حال وجود زوج یعاني من صعوبات في العمل، إلا أن نفس الأثر غیر موجود بالنسبة للذكور .وفي دراسة تتبعیة على عینّة مؤلفة من 6257 فرداً من الذكور المتقاعدین في فنلندا (موظفین في البلدیة)، تبینّ أن لدیھم ارتفاعا في معدلات أمراض القلب والجھاز العضلي الحركي.

بالمقابل وجد كل من “أوستبرغ و صامویلسن” آثارًا إیجابیة للتقاعد على الصحة نتیجة الفحوصات التي أجریت على عینّة من المتقاعدین، مثل فحوصات ضغط الدم، أمراض الجھازالعضلي، والأعراض النفسیة .

بدوره أشار “بوس” وآخرون في دراستھم حول الأعراض النفسیة لدى عینّة مؤلفة من 1513 متقاعداً من الذكور، إلى أن الأعراض النفسیة أكثر انتشارًا لدى أفراد عینّة المتقاعدین مقارنة بالعاملین. وعلى الرغم من أن ھذه الدراسات وغیرھا أشارت إلى المظاھر المھمة للتفاعل مابین التقاعد عن العمل والحالة الصحیة، إلا أنھ لا یوجد إجماع على نتائجھا لعدة أسباب، فلقد أجریت في بلدان مختلفة من حیث الثقافات وقوانین العمل والتقاعد المعمول بھا فیھا، إضافة إلى أنظمة الضمان والتأمینات الصحیة. كما أن طرق التقییم التي اتبعت مع أفراد عینّات البحث اتسمتبمعظمھا بالطابع الفردي Self Evaluating Scales من دون إخضاعھم إلى فحوصات طبیة دقیقة أو حتى مقابلات عیادیة، مما لا یسمح بتعمیم نتائج مثل ھذه الدراسات على الجمیع .

بالمقابل، أشار العلماء إلى أن انخفاض وتیرة العلاقات الاجتماعیة بفعل التقاعد قد یكون لھ الأثر السلبي على الصحة الجسدیة والنفسیة للمسنّ المتقاعد، إذ أن مثل ھذه العلاقات التي ینسجھا الشخص داخل وخارج بیئة العمل قد تحمیھ من النوبات التي تؤثر على صحتھ . فعلى سبیل المثال، تبینّ أن التقاعد یخفضّ وتیرة التفاعلات الاجتماعیة بالنسبة للذكور الذین یتخطّون سن الستین، مسبباً لھم العزلة الاجتماعیة. وإذا ما اعتبرنا أن العزلة الاجتماعیة تولدّ الاكتئاب، على سبیل المثال، فإن ھذا الأمر قد یعزّز تقھقر الوضع الصحي الجسدي نظرًا لارتباطھما ببعضھما البعض .

ومن جھة أخرى، على قدر ما یتسببّ العمل بالضغوط المھنیة والنفسیة للعاملین، فإن التقاعد قد یؤديّ إلى تمتع المسنین بصحة جسدیة ونفسیة أفضل، إلا أن الأشخاص الذین لا ینخرطون في أيّ أنشطة جسدیة بعد التقاعد، ستظھر لدیھم أعراض أمراض القلب، السكري، الوزن الزائد،الكولیسترول، والاكتئاب .

إذن قد یعتبر التقاعد من أھم المشكلات التي تواجھ كبیرالسنّ لأنھ غالباً ما یؤدي إلى تراجع دخل الشخص المسنّ إلى الثلث تقریباً، ویتزامن ذلك مع الخسارات المتتالیة على صعید تدھور الصحة الجسدیة والعقلیة، الكفاءة الذاتیة، أصدقاء العمل والمكانة الاجتماعیة المرتبطة بممارسة الوظیفة السابقة. في حین أشار البعض الآخر إلى مرحلة التقاعد على أنھا مرحلة ممارسة الھوایات والأعمال التي لم یستطع الشخص أن یقوم بھا من قبلبسبب ضیق الوقت.


مراحل الاستجابة للتقاعد

في المقابل، أشار بالمور وآخرون إلى أن نماذج الاستجابة للتقاعد تتباین اعتماداً على عوامل مثل نوعیة المتقاعد وتوقیت التقاعد. فالأفراد یستجیبون للتقاعد بشكل ینسجم مع مواردھم مثل الدعم الاجتماعي وظروف التقاعد. كما أن الفروق في ردود الفعل نحو التقاعد قد تعتمد على عوامل أخرى، مثل نوع الجنس والحالة الاجتماعیة - الاقتصادیة والحالة الزوجیة والسن والإلتزام بالعمل . 

ولقد اقترح آتشلي نموذجًا للتقاعد تضمن ست مراحل :

1 - مرحلة ما قبل التقاعد Preretirement Phase

یصبح الموظف واعیاً أن التقاعد أصبح وشیكًا، وفي السنة السابقة للتقاعد یبدأ في ادخار نقوده ویحلم بأشیاء یرغب في القیام بھا ویستعد بشكل عام لھذا التغیر في حیاتھ.

2 - مرحلة شھر العسل Honeymoon Phase

وتحدث ھذه المرحلة مباشرة بعد وقوع الحدث الفعلي للتقاعد وتوصف عادة بالسعادة والاستمتاع بوقت الفراغ، فالمتقاعد یستطیع الآن القیام برحلة لزیارة قریب بعید ویستطیع العنایة بالنباتات والأزھار في منزلھ . إنھ وباختصار یستطیع القیام بكل ما كان یتمنى القیام بھ في السابق من سني حیاتھ.

3 - مرحلة التحرّر من الوھم Disenchantment Phase

یبدأ المتقاعد ھنا بالشعور بالاكتئاب بسبب طبیعة الحیاة النمطیة وندرة الأعمال المطلوب منھ أداؤھا. وبعد القیام بالأشیاء التي كان یتوق لأدائھا، نجد أن المتقاعد یبدأ بالشعور بالملل والتعب.

4 - مرحلة التوجّھ من جدید Reorientation Phase

یطوّر المتقاعد ھنا اتجاھًا أكثر واقعیة نحو الاستخدام الفعاّل للوقت. ویبدأ في إعادة تقییم ھذه الأنشطة ویتخذ بعض القرارات المتعلقة بتحدید ما ھو الأكثر أھمیة، وتضع ھذه الأولویات المقدمة للمرحلة التي تلیھا.

5 - مرحلة الاستقرار Stability Phase 

یتشكّل ھنا روتین التقاعد الذي یستمتع بھ المتقاعد وذلك قد یكون من خلال عمل تطوعي أو زیارات أو بعض البرامج الأخرى التي یتمّتطویرھا والتي تجعل المتقاعد سعیداً وتشعره بأنھ إنسان مھم.

6 - مرحلة الانتھاء Terminal Phase

ویحدث ھذا عندما یمنع المرض أو العجز المسنّ المتقاعد عن العنایة بنفسھ، وأیضًا غالباً ما یحدث بسبب الالتحاق بعمل ما، خاصة عندما یتقاعد الشخص باكرًا، فیكون جسده ما زال قوي البنیة وأیضًا لا زال في سن تمكنھ من الحصول على عمل آخر، ولذا یمكن اعتبار ھذه المرحلة أنھا مرحلة انتھاء التقاعد بشكل مؤقت.


إن فكرة التقاعد مبنیة على مبدأ أنھ یتوجب على الشخص المتقاعد أن یمكث في بیتھ، غیرأن ھذا الفھم خاطئ، فالمتقاعد، ورغم أنھ ترك منصباً معیناً، فإنھ مليء بالقدرات والخبرات،وبالتالي فھناك جزء كبیر من المسؤولیة یقع على عاتق المتقاعد نفسھ، فالخبرة المتكوّنة لدیھ یمكنھاأن تنعكس على حیاتھ فیما بعد. وبالتالي بإمكانھ أن یشغل نفسھ بأمور ذات جدوى، ففي ھذه الحالة،لن یشعر بنظرة المجتمع السلبیة، ولن یتعامل مع تقاعده بحساسیة. في المقابل، المسؤولیة تقع أیضًا على عاتق المجتمع، فبدلًا من أن یعدُّ المجتمع المتقاعد عبئاًعلیھ، یجب أن یفتح لھ المجالات والأبواب، فالمتقاعدون بحاجة إلى إجراء برامج لھم، والاستفادة من خبراتھم، واستقطابھم إلى العمل التطوعي، خصوصًا وأنھم بحاجة إلى العمل والإنفاق، فالتقاعدیشیر إلى تقاعد الشخص من وظیفتھ، ولیس من قدرتھ على ممارسة عمل آخر.

تعليقات




    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -