مربع البحث

العلاقة بين الصحة النفسية والسعادة

العلاقة بين الصحة النفسية والسعادة




لقد اهتم العلماء بالعلاقة بين الصحة النفسية والسعادة عبر مراحل الدراسات النفسـية المتعاقبة فلقد رأى فرويد – على سـبيل المثـال – أن سـعادة الإنسـان تكمـن في قدرتـه عـلى الحب والعمل، وأكد ماسلو على أن السعادة مكون من مكونات الصحة النفسية.

ولا يخلو تعريف من تعاريفات الصحة النفسية قديمها وحديثها عن الإشارة إلى ذلك فالصحة النفسية هى حالة الرفاهية أو الهناء Well – Being أو التوافق أى السعادة.

ويتناول العلماء علاقة السعادة بالصحة النفسية من زاوية تكامل الشخصية وقدره الأفراد على حل صراعاتهم الداخلية، والصحة النفسية للفرد يدل عليها شـعوره بالسـعادة ومسـتوى قلقه وصحته الجسمية، وكذلك فالشعور بالسعادة والقلـق والصـحة الجسـمية وحـدها عـلى التوالى ذات إسهام في التنبؤ بالصحة النفسية. 

والصــحة النفســية تعــبر عــن حالــة الهنــاء أو الرفاهيــة (الســعادة) النفســية أو التوافــق الملائــم وبخاصــة إذا حقــق التوافــق في حــد ذاتــه مســتويات العلاقات الإنسانية المقبولة في المجتمع والشخص السوى Normal هو الشخص المتوافق مع نفسه وبيئته والمتآلف معهـا ويسـاير المطالـب والأدوار الثقافيـة لمجتمعـه وقـد تكون لدى هذا الشخص إعاقات أو أمراض جسمية وإن كان ذلك لا يعـوق طاقاتـه العقليـة ، فضــلا عــن اســتدلالاته وأحكامــه وقدراتــه عــلى إقامــة تكيــف شــخصى واجتماعــى جيــد.

إن الحالات الانفعالية الإيجابية يمكن أن ترتقى بالإدراكات الصحية والمعتقـدات السـليمة والصحية الجسمية ذاتها وقـد اكتشـفوا الآليـات المحتملـة التـى تـربط بـين المشـاعر السـارة والصحة الجيدة من خلال الخطوط البحثية التالية :
  • أ‌- الآثار المباشرة للوجدان الايجابي على وظائف الأعضاء وبخاصة جهاز المناعة.
  • ب‌- القيمة المعلوماتية للخبرات الانفعالية.
  • جـ- المصادر النفسية أو الملاذ التى يتولد عنها الحالات الانفعالية الإيجابية.
  • د- الطرق التى يمكن بها للحالة المزاجية أن تنبه السلوكيات المرتبطة بالصحة.
  • هـ- أحداث الدعم الاجتماعى، فالانفعالات الإيجابية والصحة يمكن أن ترتبط معاً مـع خـلال مسارات متعددة.

أن إشباع الحاجات الأساسية البيولوجية والاجتماعية والنفسية ومواجهة التحديات بأقصى حدود القدرة يعد مصدرا مباشرا للشعور بالسعادة والبهجة وهى ما أسماها بقمة الخبرة.

كــما وضــع (ماســلو) 14 مكونــا إيجابيــا تحــدد مظــاهر الصــحة النفســية أو مكونــات الأمــان الــنفسى وقــد أدرج الســعادة في المكــون رقــم (8،4) باعتبارها من ضمن مكونات الصـحة النفسـية حيـث قـال : "أن يشـعر المـرء بأن الحياة سعيدة مليئة بـالود وحـب الخـير، أن يميـل المـرء نحـو السـعادة والقبـول والرضـا والقناعة". 

وكما أشار (مايرز ودايـنر Myers & Diener,1995 ) إلى نسـبة قـدرها 17 : 1 للدراسـات النفسية المتصلة بالحالات الوجدانية السلبية مقارنة بالحالات الإيجابية.

ويختلف (روجرز) مع الفكرة الشائعة التى تقول بأن الأفراد الذين يصلون إلى درجة عالية من الرضا عن وظائفهم الحياتية على نحو أقرب إلى المثاليـة هـم الـذين يشـعرون بالسـعادة ويرى من وجهة نظره أن السعادة محصلة جانبية أو نتيجة ثانوية تترتب على النضج الـنفسى بدلا من كونها هدفا في ذاته .

إن الصحة النفسية للفرد بوصفها مفهوما مركبا يمكن أن تـرتبط بعـدد مـن المتغـيرات كـما يمكن أن ينبئ بها عدد غير قليل من المنبئات predictors وأول منبئ بالصـحة النفسـية هـو الشعور بالسعادة وتؤكد ذلك دراسة

أما علاقة السعادة بالصحة النفسية فهى علاقة قويـة ذلـك أن الصـحة النفسـية يمكـن أن تكون من بين مكونات الشعور بالسعادة وأحـد العوامـل المؤديـة اليهـا ، ومـن ناحيـة أخـرى يمكن أن يكون الشعور بالسعادة مظهرا من مظاهر الصحة النفسية.

ويشعر النـاس بدرجـة أعـلى مـن السـعادة إذا اسـتطاعوا حـل صراعـاتهم الداخليـة وتحقيق درجة من التكامل في شخصياتهم، أو الذين يكشفون عن درجة منخفضة مـن التفاوت بين صورة الذات والذات المثالية أو بين التطلعات والإنجازات هـؤلاء هـم اكـثر شعورا بالسعادة، فصور الذات لدى الأفراد السعداء – سواء في حالة الاكتئاب أو الفرح – عبارة عن شخص دافئ وصـدوق مخلـص مسـتريح في علاقاتـه الحميمـة، ذى ضـمير حى، قادر على مواجهة الأحداث، وغير متشائم، وفترات الاكتئاب – بالنسبة لهؤلاء السعداء – هي فترات تأمل، وبحث في الذات وتفكير في حلول للمشاكل، مع شـعور متفائـل قـوى بـأن كل مشكلة لها حل

يرتبط تحقيق السعادة إذن بقدرة الإنسان على الحيوية والنشاط وحل صراعاتـه الداخليـة وسعيه نحو الكمال والتفوق .

وبناء على ماسبق يتبادر الى الذهن سؤال هـو :السـعادة أم الصـحة النفسـية: هـل تـؤدى السعادة إلى الصحة النفسية؟ أم أن الصحة النفسية هى أهم مؤشرات السعادة؟

من الممكن أن نفترض بناء على التراث النظرى للعلاقة بين السـعادة والصـحة النفسـية أن علاقة الصحة النفسية بالسعادة علاقة قوية فإنه يمكـن أن تكـون الصـحة النفسـية مـن بـين مكونات السعادة وأحد العوامل المؤدية إليها ،كما أن الشعور بالسـعادة مظهـرا مـن مظـاهر الصحة النفسية.

إن الصحة النفسية مفهوم نسبى، ولذلك تكمن الإشكالية الرئيسـية أمـام هـذا المفهـوم في تحديد المعايير أو المؤشرات وإشكالية القيـاس، وتتعـرض الصـحة النفسـية للخطـر باسـتمرار ، فحالة التوازن بين إمكانات الفرد البيولوجية والنفسية والاجتماعية ومتطلبات البيئة الداخلية والخارجية قد لا تتحقق بدرجة و بأخرى فقد يحدث ضعف في الكفاءة الذاتية للفرد وإعاقة لمحاولاته للتكيف مع البيئة فإن احتمالات تضرر صحته النفسية تكون كبيرة.

وكلما ازدادت المحبطات البيئية التـى تحمـل في طياتهـا بـذور الضـغط والإرهـاق وعـدم التوازن ازدادت قدرات المواجهة والتكيف تشتتا بحيث تصبح الجهود التى يبـذلها الفـرد غـير كافية، عندئذ تتسم ردود أفعال الفرد باللاتوازن واستخدام ميكانيزمات دفاعيـة غـير ناضـجة وتتضاعف احتمالات الانحـراف والـتضرر في الجوانـب المختلفـة للصـحة النفسـية.

وإذا استخدمنا مفهوم السعادة على أنه حالة السرور الناتجة عن نجاح الفـرد في تحقيـق التوازن بين متطلبات الحياة المادية ومتطلبات الحياة الروحية، فإن الأمـر سـيختلف بالنسـبة للسعادة، فقد يتعرض الفرد لصعوبات في التوافق مع البيئة أو يصيبه مرضى أو عوز مـادى أو يهجره الأصدقاء – أى انخفاض في صحته النفسية - لكنه مرتبط بالـلـه طائع له قانع بواقعه راضى بقضائه، فيحصل من ذلك على دعم معنوى فلا يسر ولا يطمئن ولا يـنعم ولا يسـعد إلا باللجوء إلى الـلـه وبذلك يحصل عـلى الفـرح والسرور واللـذة والسـكون والطمأنينـة وبـذلك يتحقق له السعادة بمعناها الشامل.


نخلص مما سبق إلى القول بأن :
  • السعادة مؤشر للصحة النفسـية فمـع تعـدد تعريفـات الصـحة النفسـية إلا أنـه يمكـن حصرها في الخلو من الانحرافات، تحقيق التوازن، تحقيق التوافق، تحصيل السعادة، تحقيـق الذات، حسن الخلق. فالصحة النفسية تتضمن الشعور بالسعادة فالشخص المتمتع بالصـحة النفسـية سـعيد في حياته والواهن نفسيا شقى في حياته، والشعور بالسعادة مسألة نسبية تختلـف مـن شـخص إلى آخر فهى مشاعر ذاتية تتأثر بنضج الشـخص وحاجاتـه وأهدافـه وطموحاتـه فـما يسـعد أصحاب الشخصيات الناضجة قد لا يسعد أصحاب الشخصيات غير الناضجة.

  • الصحة النفسية مؤشر – كذلك – للسعادة.

ان علم النفس الايجابي بطرحـه الجديـد يركـز عـلي تحسـين الأداء الـنفسي الـوظيفي العـامللإنسان وهو بذلك يرتقي بمفهوم الصحة النفسية عـلي أبعـد مـن مفهومهـا التقليـدي الـذي يتمحور حول غياب المـرض والشـذوذ فهـو بحـث في محـددات السـعادة البشريـة والفـرص والمهارات التي تمكن الإنسان من العيش حياة مرضية ومشبعة يحقق فيها الفـرد طموحاتـه ويوظف فيها قدراته إلي أقصي حد ممكن ويشعر فيها بالاطمئنان النفسي والنجاح في الحياة

تعليقات




    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -