مربع البحث

معايير الصحة النفسية

معايير الصحة النفسية





من المشكلات الرئيسية في دراسة الشخصية والصحة النفسية وعلم النفس المرضي تلك الصعوبات الكبيرة التي تكتنف مفهوم السوية (Normality) وهي مشكلة قد آلت بدورها إلى صعوبات بالغة بالنسبة للبحث العملي في هذه الميادين. 

تعني كلمة (norm) معيار قاعدي (authoritative) وبالتالي تعني كلمة سوي (normal) الالتزام بهذا المعيار، وتكون الشخصية السوية بذلك : هي الشخصية التي يساير سلوكها ذلك المعيار القاعدي . والشخصية غير السوية : هي التي لا يتفق سلوكها مع ذلك المعيار، والواقع إن محاولات تحديد هذا المعيار قد آلت إلى أنواع مختلفة من المعايير التي يجرى استخدامها في تعيين مفهوم الشخصية السوية وتمييزها عن الشخصية غير السوية .


المعيار الاكلينيكي

قد يتحدد مفهوم السوية أو الصحة في ضوء المعايير الاكلينيكية لتشخيص الأعراض المرضية فالسوية أو الصحة تتحددان على أساس غياب الأعراض والخلو من مظاهر المرض، أما اللاسوية فتتحدد بوجود أعراض المرض أو الاضطراب وإذا تقبلنا هذا المعيار السلبي للسوية فإن بعض القضايا المنافية للعقل تصير ممكنة، مثلا : فلان كان سليماً خالياً من الأعراض بالنسبة للقلب، ولكنه توفى بالسرطان، وبنفس الطريقة ليس من المنطقي أن نقول أن شخصاً قد استرد صحته النفسية - من الفصام مثلاً- ولكن يستمر بقاءه نزيلاً في إحدى المصحات النفسية - بسبب الجنون الدوري: جنون الهوس والاكتئاب، من الواضح بذلك أننا نستخدم مصطلح الصحة أو السوية نعني به الخلو من الأعراض أكثر مما يعني الخلو النوعي عنها.

فالخلو العام من الأعراض مفهوم سلبي للصحة أو السوية، كما أنه مفهوم ضيق ومضلل، فمن الصعب غالباً أن نفصل هذا المفهوم عن التضمين الإيجابي للسوية؛ لأنه لا يكفي أن يخلو الشخص من الأعراض المرضية لنعتبره سوياً، وإنما ينبغي أيضاً أن تلقى أهدافه وطاقاته وخبراته توظيفاً فعالاً في مواقف الحياة المختلفة فيحقق ذاتــه علـى نحو بناء، لذا فإن المعيار الاكلينكي أو السلبي لا يحدد الصحة أو السوية على نحو إيجابي وذي معنى.


المعيار الثقافي

الشخصية الإنسانية هي بدرجة كبيرة انعكاس للواقع الثقافي الذي يعيشه الفرد، فالمجتمع وثقافته بما يخلقانه من أشكال التفاعل الإنساني وبما ييسرا رانه من ظروف لنمو الشخصية وتشكلها يمثلان محددات رئيسية لبناء الشخصية. فالإنسان - الشخصية - كائن حي إجتماعي وتاريخي، يشتق الكثير من حياته من التركيبات الاجتماعية والتاريخية، وهو كائن محكوم ببعدي الزمان والمكان يكون أسلوب حياته انعكاساً لثقافة

وعادة ما ينطوي مفهوم الشخصية السوية على بيئة صحية خالية إلى حد كبير من عوامل الضعط والشدة مثل هذه البيئة تيسر مقومات النمو السوي وتقلل من عوامل الضغط والتوتر إلى تثبيط وإهدار جهود الأفراد في التمكن من أنفسهم وفي السيطرة على بيئاتهم. فمثلاً: لاحظ علماء عديدون أن من بين مستوى الطموح وفرض تحقيق المطامح في بعض الجماعات يعتبر مصدرا للضيق والتوتر النفسيين، وهم يقررون إنه إذا اتسم أسلوب حياة الجماعة - وهو الثقافة - بعوامل الصراع والتنافس والفردية وقلة الفرص المتاحة لكي يحقق الأفراد ذواتهم، وتكثر فيه ردود الأفعال المرضية ومظاهر النشاط المضاد للمجتمع، لذا فإن تحديد مفهوم الشخصية السوية لا ينفصل عن الإطار الثقافي وعما يستحسنه ويثيبه من أنماط السلوك وعما يقره من قواعد ومعايير للسلوك والعلاقات.

المعيار القيمي

من الصعب تحديد مفهوم السوية بمعزل عن النظام القيمي هذا المعيار القيمي أو الأخلاقي قد يتعارض في بعض الأحيان مع تصورات بعض علماء النفس والطب النفسي الذين يسعون إلى التوصل إلى تعريفات لا تولي أهمية كبيرة للمعايير القيمية والأخلاقية.
فمن المنظور القيمي أو الأخلاقي يستخدم مفهوم السوية لوصف مدى اتفاق سلوكنا مع المعايير الأخلاقية في المجتمع وقواعد السلوك السائدة فيه، وكيف يكون سلوكنا مقبولاً بالنسبة لأنفسنا والآخرين، وعلى هذا النحو ينظر إلى السوية على أنها مسايرة أو اتساق أو أخلاقية.

تعني السوية كمسايرة Conformity موافقة السلوك للأساليب أو المعاني التي تحدد التصرف أو المسلك السليم في المجتمع، ويعتبر الأسلوب الاتفاقي مقبولاً لذاته؛ لأن الممارسات العامة لمعظم الناس في مجتمع من المجتمعات هي الأساس السليم لتحديد معايير السلوك لدى الفرد بصفة عامة.

ويشير مفهوم السوية كاتساق (Consistency) إلى معايير التقبلية (Dards Acceptability) للقيم من وجهة نظر الفرد ذاته، فالشخص السوي هو الذي يتسق سلوكه مع المعايير القيمية.

المعيار الذاتي

يتخذ الفرد من ذاته إطاراً مرجعياً يرجع إليه في الحكم على السلوك بالسوية أو الشذوذ، وبديهي إن هذا المعيار يتضمن الأطار الاجتماعي استناداً إلى عملية التطبيع الاجتماعي حيث أن الرجوع إلى الذات يتعرض للأحكام القبلية والتشويهات الدفاعية، اللهم إلا إذا رجع الفرد إلى ما وراء نفسه ليمسك بنفسه ضمن أطارهـا الحقيقي اللاشعوري والبيئي معاً فيمسك الآخر ضمن إطاره البيئي الخاص.

المعيار الاجتماعي

يستند إلى المجاراة أي مسايرة القيم الثقافية في المجتمع، والمجاراة هي مجرد التواؤم أما إذا كانت عن اعتقاد ورغبة صادقة فهي تكيف، وتكثف دراسات الأنثروبولوجيا الثقافية عن تباين معيار الشذوذ البنائية في المجتمعات المختلفة بل وفي المجتمع الواحد على مر التاريخ.

المعيار الإحصائي

يمثل الصورة الرقمية الرياضية للاتجاه الثاني، فالمتوسط -الوسيط أو المنوال- يمثل السوية، أما الشذوذ فانحراف عن المتوسط -ميل الطبيعة إلى أن تكون الغالبية في نطاق الاعتدال والأقلية في نطاق التطرف-، ففي منحنى جرس الاعتدالي متوسط الذكاء (100%) وبمعنى إلى اليمين وإلى اليسار سوياً في حدود (30) درجة، وهذا يمثل (95%) من الناس، أما ما تحت (70) وما فوق (130) فيمثل التطرف أي: الشذوذ ويوجد عند (5%) من الناس، وهذا بالنسبة إلى الاستعدادات الفطرية.

أما بالنسبة لظواهر التكيف فلا يصدق منحنى الجرسي أو الاعتدالي، وحتى في الحالة الأولى نتساءل ما أن يحق لنا أن نسمي التطرف في التفوق شذوذا، إن الابتعاد عن المتوسط ليس بالضرورة علامة على الشذوذ وهكذا نتساءل: إذا كانت الندرة لا تكفي لتحديد الشذوذ ولا الحكم الذاتي، أفلا يكون معيار الشذوذ دينامية خاصة تكمن وراءه قوامها الصرع بين حفزة غريزية خطرة تولد القلق ودفاعات ضد هذا القلق لا يكتب لها النجاح فتنتمي إلى الاضطرابات والأعراض المرضية.

المعيار الباطني 

كل سلوك في الواقع يستند إلى الدينامية أي إلى دوافع مضطربة وينطوي على وظيفة أو عدد من الوظائف يوسع الاتجاة الاجتماعي وخاصة في صورته الأحصائية أن يبين مدى الندرة، تلك علامة مادية ولكن تظل خارجية فقد يبتعد الفرد عن الشائع الغالب دون أن يكون ذلك في اتجاه الاضطرابات بل إمعاناً في المستويات الرفيعة من التكيف.

لا بد إذن من معيار يتبين في الحالة التي تعنينا نوع الصراع وما يحققه من وظيفة، لا بد وأن يتبين الدوافع الغريزية التي يعتبرها الفرد خطراً أي التي تولد عنده القلق، ونتبين نوعية الدفاع الذي يستخدمه الفرد ضد هذا القلق بعبارة أخرى نتبين المواقف التي تثير عنده القلق والدفاعات القائمة ضد القلق.

وبذلك نكون قد تبينا الدينامية الخاصة في هذه الحالة فنتبين بالتالي الوظيفة أو جملة الوظائف :أي: الأهداف التي يحققها الصراع، نتبين ما إن كان هذا الصراع ينتمي إلى فراغ كامل للتوتر سيان كان ذلك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة - إعلانية - أو ينتهي إلى إفراغ جزئي وغير مباشر بالنظر إلى الدفاعات التي يسد الطريق على الحفزة الغريزية بعد استبعادها بالكبت. في الحالة الأولى حيث إفراغ التوتر كامل تكون السوية، أما في الحالة الثانية حيث الإفراغ جزئي غير مباشر تكون الأعراض المرضية أي الأمراض النفسية، في الحالة الأولى يكون للتوافق تكيفاً إنشائياً، أما في الحالة الثانية فالتوافق غير تكيفي أي تفكيكي يتم على حساب وحدة الشخصية واقتصادياتها.

تعليقات




    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -