مربع البحث

اضطراب الهوية

اضطراب الهوية




تعريف هوية الأنا

ويشير مصطلح هُوية الأنا أو الهُوية الشخصية حسب تصوّر إريكـسون (Erikson) إلى حالة نفسية داخلية تتضمن إحساس الفرد بالفرديـة Individuality، والتماثـل والاسـتمرارية Sameness and Continuity، والوحـدة والتـآلف الـداخلي Inner Wholeness and Synthesis الذي ينعكس في إحساس الفـرد بارتبـاط ماضـيه وحـاضره ومستقبله. وأخـيرًا، الإحساس بالتماسك الاجتماعـي Social Solidarity ممثلاً في الارتباط بالمثل الاجتماعية والقواعد الأخلاقية والشعور بالـدعم الاجتماعـي النـاتج عـن هـذاالارتباط.

ولقد رأى اريكسون أن "الأنا" لها دور أكبر من محاولة التوسط بين الهـو والأنـا الأعـلى والبيئة المحيطة كما يعتقد فرويد، وأن الوظيفة البنائيـة للأنـا الـسوية هـي الـشعور بالهُويـة وتلك حالة داخلية تتضمن أربعة جوانب رئيسية هي: 

1 – الفردية Individuality: وهي تعني الإدراك الواعي بالاستقلالية والفردية وتحقيق هُوية واضحة.

2 - الوحدة والتآلف الـداخلي Inner Wholeness and Synthesis: أي الإحـساس بالتكامـل والتوفيق بين المتناقضات واللاانقسامية؛ فالطفل النامي يكوّن صورًا متباينة للذات مثل ،الحب والكرهً، النجاح والفشل، الطاعة والعصيان، الثقافة والجهل، وغيرها. وتكامل الأنـا السوية بفاعلية بـين هـذه الـصور المتناقـضة ينـتج عنـه الإحـساس بـالكمال والانـسجام الداخلي.

3 - التماثـل والاسـتمرارية Sameness and Continuity: أي الإحـساس بالتماثـل الـداخلي والاستمرارية بين ما هو ماض وما يتوقع أن يكون في المستقبل.

4 - التماسك الاجتماعي Social Solidarity: وهـو الإحـساس الـداخلي بالتمـسك بالمثاليـات والقيم التي يعتنقها بعض الناس، والشعور بالمساندة الاجتماعية. والهُوية الثابتة تحقـق إحساسًا داخليًا بالتماثل والاستمرارية.


اضطراب الهوية

أشار أریكسون إلى أن اضطراب الهُویة يعني فقـدان الثقـة والـشعور بـالخزي والخجـل والشك، والعيش نهبًا لمشاعر الذنب والدونية والعجز، وبأن الحياة لا تأخذ بالمبادأة ولا تمـضي من خلال الثقة والاستقلالية.

ويرجع ظهـور مـصطلح اضـطراب الهُويـة لعـام (1980) عنـدما أشـارت إليـه الجمعيـة الأمريكية للطب النفسي في دليلها التشخيصي الإحـصائي الثالـث DSM-III ليـصف الأفـراد في مرحلة المراهقة المتأخرة الذين ينفصلون عن أنظمة وقيم الأسرة ويحـاولون تأسـيس هويـات مستقلة. 

وقـد عُـد اضـطراب الهُويـة في ذلـك الوقـت اضـطراباً منبثقًـا مـن مرحلـة الطفولـة لاضطراب الشخصية الحدية، إلا أن هذا التشخيص لم يخضع لبحث تجريبي نظامي. 

وبـإجراء مراجعة للحالات المرضية بواسطة المجمع الأمريكي لطب المراهق اتـضح أنـه لا توجـد علاقـة قائمة بين اضطراب الهُوية واضطراب الشخصية الحدية، وأن معظم المراهقين الذين يكافحون لمعرفة أسئلة متعلقة بكل مـن مـستقبلهم، وهـويتهم وقـيمهم لم يتحولـوا لمـرضى باضـطراب الشخصية الحدية والذي يعد اضطراباً وظيفيًا شديدًا في الشخصية.

يبدأ اضطراب الهُوية في المراهقة المتـأخرة، عنـدما يـصبح المراهـق بـصدد إقـرار هُويـة مستقلة عن أسرته، ونظرًا لأن جهاز القيم يتغير فإن هذا الاضطراب قـد يظهـر في الـشباب أو حتى منتصف العمر إذا بدأ الشخص التساؤل عن قرارات حياته الباكرة. وهناك بدايـة حـادة لفترة ثم يختفي الاضطراب بمرور الوقت أو يصبح مزمنًا.
 

 تشخيص اضطراب الهُوية

تشخيص اضطراب الهُوية كالآتي :
1- الشعور بالانزعاج لعدم تحديد أشياء مختلفة تـرتبط بالهُويـة وتـشمل ثلاثـة مـما يـلي: تحديد الأهداف على المدى البعيد – اختيار العمل – أنمـاط الـصداقة – التوجـه والـسلوك الجنسي – التوجه الديني – أنظمة القيم الأخلاقية – الانتماء لجماعة.
2- ينتج عن ذلك إعاقة اجتماعية أو وظيفية بما في ذلك الإنجاز الدراسي.
3- مدة الاضطراب لا تقل عن ثلاثة شهور.
4- حدوث الاضطراب لا يكـون خـلال مـسار اضـطرب الوجـدان أو اضـطراب ذهـاني مثـل الفصام.
5- الاضطراب ليس مشوهًا ولا ثابتاً بما يكفي لتشخيص اضطراب الشخصية الحدية.

ويلزم تمييز اضطراب الهُوية عن الآتي:
- الصراعات العادية : المرتبطة بالنضج مثل تقلبات مرحلة المراهقـة، أو أزمـة منتـصف العمر. وهي عادة لا ترتبط بكرب شـديد أوإعاقـة في الأداء الـوظيفي أو الاجتماعـي، ولكن عند توافر الدلالات يشخص اضطراب الهُوية من دون اعتبار للـسن أو مرحلـة النمو.
- الفصام واضطراب فصامي الشكل واضطراب الوجدان : ويـصاحبه اضـطراب بالهُويـة، ولكن هذه التشخيصات لها أولوية عن اضطراب الهُوية.
- اضطراب الشخصية الحدية : يكون أحد جوانبها اضطراب الهُوية، واضطراب الشخصية الحدية هو اضطراب ثابت ومشوهة للشخصية.

أسباب اضطراب الهوية

سبب اضطراب الهُوية نفسي المنشأ : ويتمثـل في حـدوث تحـولات داخليـة في مرحلـة المراهقة لأزمة نضج الأنا (من الطفولة إلى الشباب)، وهذه التحولات والـصراعات قـد تحدث ظواهر نكوصية لـدى المراهـق تـؤدى إلى خلـق أزمـة، واذٕا لم تحُـل باسـتجابة
مناسبة يحدث اضطراب الهُوية.

الانحلال العائلي : الفرد بحاجة إلى أمن وإلى أسس مرجعية راسـخة وخاصـة في مرحلـة الطفولة، وبالتالي فإن الانحلال العائلي يؤدي إلى اضطرابات تصيب الهُوية وهي ناتجة عن ضعف العلاقات العاطفية، وعدم وجود نماذج تساعد على التقمص وبالتالي يؤدي إلى اضطراب هُوية الفرد.

الهدم العـاطفي : إن الأذى العـاطفي يتمثـل في الإحـساس بانحـدار القيمـة وفقـدانها لمحتواها ويعني ذلك أن تحديد الهوية يكون سلبيًا إلى حد كبـير، كـما تـستحوذ عـلى الشخصية مشاعر الضعف والقصور والإحساس بالدونية والعجز.

وسائل الإعلام : لها تأثير يعمل على اضطراب هُوية الفرد، كما أن التذبـذب الـدائم في منطقية العرض يمنع بناء هوية متماسكة؛ لأنها محاطة بأطر منطقية ونماذج متضاربة ومتناقضة.

فشل الفرد في تحديد هوية معينـة، وعـدم القـدرة عـلى اختيـار المـستقبل المهنـي أومتابعة التعليم، كما تنطوي على الإحساس بالاغتراب، وعدم الجدوى وانعدام الهـدف ،واضطراب الشخصية، ومن ثم البحث عن هُوية سلبية.
 
عجزالمراهقين في فهم ما يجري حولهم،ونقص خبرتهم في التعامل مع الواقـع، والـصراع الذي يعانون منه بسبب التعارض والتناقض فيما يطلب منهم سواء في تحمل المسئوليات، أو ما يتوقع مـنهم مـن التزامـات مـن قبـل الأهـل أو المـربين أو الأقـران وغيرهم، وكذلك عدم كفاية ما يوفره المجتمع لهم من فـرص حقيقيـة تـنهض بإشـباع حاجاتهم المختلفة، وما يترتب على ذلك من عـدم قـدرتهم عـلى فهـم معنـى حيـاتهم واضطراب هُويتهم.
 
تكرار الخبرات الصادمة والمواقف المحبطة، وأساليب التعامل القائمة عـلى الإهـمال أو النبذ أو الرفض أو التسلط، كلها مصادر أساسية للقلق واضطراب الهُوية لدى المراهق.


أشكال اضطراب الهوية

من وجهة نظر أريكسون هناك شكلان أساسيان لاضطراب هُوية الأنا هما:

1- اضطراب الدور : Role Confusion حيث يفشل الفرد في تحديـد أهـداف وقـيم وأدوار شخصية واجتماعيـة ثابتـة، وكبـديل لـذلك تتحـول فـترة التعليـق المنطقيـة والمسموح بها اجتماعيًـا لاختبـار البـدائل إلى نـوع مـن الاضـطراب المـستمر حيـال الأدوار، مما يؤدي إلى إعاقة الفرد لحل أزمة الهوية، وتمنعه من القيام بالتزامـات محددة نحو أدوار معينة. وينتج هـذا الاضـطراب في الأدوار كنتيجـة لفـشل الفرد في خلق وحدة متكاملة من توحدات الطفولـة المتناقـضة أحيانـا. ويـؤدي هـذا الفـشل الى الإحساس المتـدني بالـذات وعـدم القـدرة عـلى تبنـي ادوار ثابتـة ذات معنـى أو قيمـة شخصية واجتماعية.
 
2- تبني هُوية أنا سالبة : Negative Identity ويمثـل تبنـي هويـة سـالبة درجـة أعـلى مـن الاضطراب، حيث لا يقتصر الأمر على عدم الثبات في تبني قيم وأدوار اجتماعية مقبولة ،بل يتجاوزهـا إلى إحـساس الفرد بالتفكـك الـداخلي(Inner fragmentation) الـذي يدفعه لتبني قيم وأدوارغير مقبولة اجتماعيًا بـل وغـير اجتماعيـة أو مـضادة للمجتمـع كالجنوح وتعاطي المخدرات.

رتب الهوية

1- تحقيق الهُوية  Identity Achievement : وتشير هذه الحالة إلى أن الفرد قد تخطى أزمة الهُوية، بعد فترة من التساؤل الفعال والنشط والتشكك والارتياب حـول إحـساس الفـرد بمن هـو؟ ومـاذا يمكـن أن يكون؟،وتـشير هـذه الحالـة إلى نجـاح الفـرد في الوصـول إلى التزامات أيديولوجية واجتماعية بشكل محـدد وثابـت، والمحـصلة النهائيـة هـي نجـاح الفرد في الوصول إلى الإحساس بمن هو. 

ويتحقـق ذلـك نتيجـة خـبرة الفـرد للأزمـة مـن جانب ممثلـه في مـروره برحلـة مـن البحـث لإختبـار واكتـشاف مـا يناسـبه مـن القـيم والمعتقدات والأهداف والأدوار المتاحة وانتقـاء مـا كـان ذا معنـى أو قيمـة شخـصية أو اجتماعية، ثم التزامه الحقيقي بما تم اختياره من جانب آخر. وتعتبر هذه الرتبـة أفـضل الرتب لأنها تعطي مؤشرات على نمو الأنا بطريقـة سـوية، ولـذلك فـإن محققـي الهويـة يتمتعون بقدر كافي من التوافق النفسي والاجتماعي وتقدير الـذات والإنتاجيـة والقـدرة على مواجهة المشكلات المختلفة والمرونه والانفتاح على الأفكار الجديدة ونضج العلاقات الاجتماعية ونمو الأنـا والنمـو المعـرفي والأخلاقـي وغيرهـا مـن جوانـب النمـو، ويعـانون
بدرجات أقل من القلق والاضطرابات النفسية والسلوكية.
 
2- تعليق الهُوية Identity Moratorium : وتشير هـذه الحالـة إلى أن الفـرد مـازال يعـيش أزمة الهُوية، فهو ما يزال يكافح للتعرف على ذاته ويتم ذلك مـن خـلال اختبـار خـبرات ومجالات الهُوية المختلفة، فيبدو وكأنه في حالة استكشاف فعال للبدائل المختلفـة التـي
توجه حياته وبالتالي فإنه لم يـصل بعـد إلى تكـوين التزامـات واضـحة والتـي تقـوده إلى تحقيق هويته، إلا أنه يحاول الوصول إلى هذه الإلتزامات مـن خـلال مـا يقـوم بـه مـن محاولات للتعرف على ذاته. 

وتعتبر هذه الحالة أقل نضجًا من حالة تحقيـق الهُويـة، إلا أنها تمهد لها إذا ما توفرت للفرد العوامل الإيجابيـة، ولـذلك فهـم يرضـون عـن ذواتهـم ويمتازون بتوجيه ذاتي، ولكنهم يعانون بدرجات أكبر من القلق ومشاعر الذنب ويتصفون بالتقدير المنخفض لذواتهم، والعلاقات السطحية مع الآخرين، وقطـع الوعـود والتعهدات الأكبر من إمكانياتهم الشخصية.
 
3- انغلاق الهُوية Identity Foreclosure : وتشير هذه الحالة إلى الأشـخاص الـذين لم يمـروا بالأزمة ومع ذلك كونوا التزامات واضحة، لكن تبدو هذه الالتزامات ليـست مبنيـة مـن الفرد ذاته وإنما هي مقتبسة من قبل الآخرين مثل الوالدين، دون أن يكون لديهم أية تساؤلات جـادة حـول هـذه الالتزامـات؛ وهـذا يعني أنهم لم يعيشوا أزمـة الهُويـة فكـما نـرى تبـدو هـذه الشخـصية شخـصية محبـة
للسلطة. 

والفرد منغلق الهُوية يعاني من ضعف في نمو الأنـا ويكـون أكـثر اعـتمادًا عـلى غيره، ويخبر درجة أعلى من القلق والاكتئاب وخاصة إذا فقد المصدر الداعم له.

4- تشتت الهُوية Identity Diffusion : وتشير هذه الحالة إلى الـشخص الـذي لا يوجـد لديه أية التزامـات أيديولوجيـة أو مهنيـة، ولا حتـى محاولـة بنـاء هـذه الالتزامـات فهوغالبا ما يكون فاتر الشعور ولا مبالي، وليس لديه القدرة على اتخاذ القـرار في أي مجال من مجالات الهُوية المختلفة. والفـرد مـشتت الهُويـة يخـبر درجـة عاليـة مـن القلق ويكـون لديـه تقـدير مـنخفض لذاتـه، وتكـون علاقاتـه الاجتماعيـة ضـعيفة ، والتمركز حول ذاته وضعف الاهـتمام والمـشاركة الاجتماعيـة، كـما يتـسم بالـسلوك الجامد وعدم القدرة عـلى اتخـاذ قـرارات سـليمة لافتقـاره للثقـة بـالنفس. 

ووجـود الفرد تحت ضغط هذه الحالـة مـن تـشتت الهُويـة يـؤدي بـه للوقـوع في كثـير مـن المشكلات، وقد یدفعه ذلك إلى الجنوح أو تعاطي المخدرات.

رتب هوية الأنا وفق نموذج مارشا

أزمة هُوية الأنا
Ego Identity Crisis
الإلتزام
Commitment
Absent غائبة Present ظاهرة
انغلاق هُوية الأنا
Ego Identity
Foreclosure
تحقيق هُوية الأنا
Ego Identity
Achievement
Present ظاهرة
تشتت هُوية الأنا
Ego Identity
Diffusion
تعليق هُوية الأنا
Ego Identity
Moraatorium
Absent غائبة


وبناءً عليه يمكن الحكم على شخص بأنه في رتبه أو حالة مـن حـالات الهُويـة بنـاء عـلى محكين رئيسيين وهما (الأزمة والالتزام)، وتشير الأزمة إلى فـترة اتخـاذ القرارالخـاص بالاختيـار بين البدائل، والمتغيرات التي تتعلق بتلك الجوانـب أو المجـالات، أمـا الالتـزام فيتنـاول درجـة الإنجاز الشخصي للفرد في البدائل المختارة.

وبالرغم من أن مارشـا صـنف الهُويـة إلى أربعـة رتـب هـي (تحقيـق، تعليـق، انغـلاق ،تشتت) وهو تصنيف منطقي ومقبـول وأقـرب للاسـتيعاب، ولكـن يؤخـذ عليـه أن الرتـب لا تتقدم بشكل نظامي من الت شتت إلى الانغ لاق إلى التعلي ق إلى التحقيق في موازاة مع الاستمرار والتقدم النمائي. واذٕا اعتبرنا رتبة التشتت هي أقل الرتب، ورتبة التحقيق هي أعـلى الرتب فإن موقع رتبة الانغلاق ورتبة التعليق بين الرتبتين "الأقل، والأعـلى" غـير واضـح لعـدم وجود إجابة واضحة حول أيهما أكثر تقدمًا من الناحية النمائية.  

تعليقات




    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -