مربع البحث

المراهقة ووسائل التواصل الاجتماعي

المراهقة ووسائل التواصل الاجتماعي






تعتبر مرحلة المراهقة من أهم المراحل العمرية في حياة الإنسان، فهي مرحلة انتقالية يسعى فيها المراهق للانعتاق من الطفولة وما تتسم به من قيود واعتمادية على الوالدين والأسرة، والوصول إلى الاستقلال الذاتي والحرية استعدادا لدخول عالم الراشدين، وقد تعددت الأوصاف التي أطلقت على هذه المرحلة، للدلالة على حساسیتها وحجم التحديات التي تتضمنها، فسميت بمرحلة الولادة الجديدة، ومرحلة العاصفة، وفترة الأزمة النفسية، ففيها يتسارع النمو في كافة النواحي الجسمية، والنفسية، والعقلية، والاجتماعية، ويسعى فيها الفرد لاكتشاف ذاته، والتنقيب عن هويته، وتتشكل فيها الشخصية بناء على ما يتلقاه الفرد من رعاية وتنشئة اجتماعية وما يتعرض له من مواقف وأحداث، وما يتشربه من مبادئ وأعراف ومثل وقيم .

وفي سبيل عبور هذه المرحلة، ومواجهة تحدياتها، يسعى المراهق لتحقيق المهمات النمائية الأساسية المتعلقة بهذه المرحلة، والتي تتضمن سعيه لتحقيق ذاته وفهمها، الأمر الذي قد يكون صعبة؛ نتيجة التغيرات المتسارعة التي يمر بها الشاب على كافة الجوانب، والتي تخلق ما يعرف بأزمة الهوية لدى المراهق، والتي يكون هدفها الوصول إلى هوية واضحة ومحددة، وتحقيق الرضا عنها، وانعكاسه على تقديره لذاته، وعلى جودة علاقاته بالآخرين .

وفي سبيل تشكيل الهوية، وتثبيت صورتها، يفترض العلماء أن الأفراد يميلون إلى السعي خلف الخبرات والمعلومات التي تثبت الصورة السابقة التي يمتلكونها عن هويتهم، وهي ظاهرة تعرف بإرضاء الهوية، وهنا تعد مواقع التواصل الاجتماعي الأداة المناسبة للعب هذا الدور، حيث تتيح للمراهق بناء وتشكيل صورة للذات إيجابية، والتعبير عنها بحرية ودون قيود الواقع .

ففي دراسة أجراها بارکر 2012 (Barker) على 734 طالبة من طلاب السنة الجامعية الأولى، ممن لم تتجاوز أعمراهم التاسعة عشرة سنة، طلب منهم أن يعبروا عن الكيفية التي يرون فيها أنفسهم ومكانتهم کمراهقين، باعتبار أن ذلك جزءا مركزيا من تعريفهم لذواتهم، ووجد الباحث علاقة مهمة بين رضا المراهقين عن هويتهم الاجتماعية وتواتر استخدامهم لشبكات التواصل الاجتماعي، وعلى وجه الخصوص فقد وجد أن الأفراد الذين يستعملون وسائل التواصل بغرض الحصول على ردود فعل ورسائل إيجابية من الأفراد الآخرين من نفس أعمارهم يميلون إلى استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بشكل أكثر من غيرهم، لكون هذه المواقع تعمل كوسيلة لإرضاء حاجات هويتهم الاجتماعية، وتساعدهم على رسم صورة إيجابية وصحية للذات لديهم. 

كما تمثل مواقع التواصل الاجتماعي منصة لتعبير المراهقين عن هويتهم الجنسية ومحاولة التواصل مع الجنس الآخر، والتعبير عن رغباتهم الجنسية، مما قد يفضي إلى عدد من المشكلات والتعقيدات؛ لكون هذه التجارب تشكل خبراتهم الجنسية الأولى في الحياة، والتي قد تبنى على نحو خاطئ، إلى جانب أن الجزء الأمامي من قشرة الدماغ، والمسؤولة عن التنظيم العاطفي وضبط النزوات وتقييم العواقب لا يزال في طور النمو، الأمر الذي قد يؤدي إلى ممارسات غير آمنه على هذه المواقع، من قبيل: نشر الصور والمقاطع الخليعة، ومحاولة إشباع بعض من رغباتهم مع أشخاص غرباء على شبكات التواصل الاجتماعي .

وعند الحديث عن الافتقار إلى التنظيم العاطفي وضبط الذات لدى المراهقين تبرز لدينا مشكلة الإدمان على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، فقد أشارت دراسة نشرت في صحيفة التيلقراف البريطانية بعنوان "الفيس بوك وتويتر: أكثر إدمانا من التبغ والكحول"، حاولت فيها دراسة الرغبات اليومية القهرية لدى الأفراد، ووجدت أن من أصعب الرغبات مقاومة هي الرغبة في البقاء متصلا (أونلاين) على شبكات التواصل الاجتماعي، بل إن هذه الرغبة كانت أقوى من الرغبات المتعلقة بشرب الكحول والسجائر، كما نشرت صحيفة الديلي غراف دراسة بعنوان (إدمان التلاميذ على التكنولوجيا مشابه لولعهم بالمخدرات)، تضمنت عينة من التلاميذ قطعت عنهم وسائل التواصل الاجتماعي لمدة 24 ساعة، وقامت بتسجيل ردات فعلهم، والتي عبر عنها بكلمات من قبيل (مشاكسين، غاضبين، قلقين، ذوي مزاج متعكر، غير آمنين، أعصابهم منهارة، غير مرتاحين، غيورين، وحیدین، محتاجين للآخرين، تغمرهم الكآبة ومذعورين) .

وقد أشارت دراسة أجريت في جامعة هارفرد إلى أن سلوك الكشف والتعبير عن الذات، والذي يحدث عند استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، يضيء في الدماغ نفس الجزء الذي يضيء عند تناول مادة إدمانية في مسوحات الدماغ، فعندما يتعرض الشخص لخبرة مجزيه أو يستخدم مادة مسبة للإدمان، يتم تنشيط الخلايا العصبية في المناطق الرئيسية المنتجة للدوبامين في الدماغ؛ مما يؤدي إلى ارتفاع مستوياته في الدم، وبذلك يتلقى الدماغ "مكافأة"، ويربط المادة الإدمانية أو النشاط مع الشعور الإيجابي، تحدث العملية نفسها عند استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، فعندما يتلقى الفرد إشعارا من التطبيق، مثل تلقي الإعجاب، أو الإشارة من أفراد آخرین لحسابه الشخصي، يتم إفراز الدوبامين في الدماغ؛ مما يجعل الفرد يشعر بالسعادة، وتوفر وسائل التواصل كمية كبيرة من المكافآت الفورية على شكل اهتمام من الآخرين مقابل جهد ضئيل نسبيا وهو ما يجعل الناس يرغبون في الحصول على هذه المكافآت باستمرار.

وهناك عامل آخر يؤدي إلى زيادة احتمالية الإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو حقيقة أن مراكز المكافأة في الدماغ تكون أكثر نشاطا عندما يتحدث الناس عن أنفسهم، وفي الحياة الواقعية يستطيع الأفراد أن يتحدثوا عن أنفسهم من 30% إلى 40% من الوقت، بينما ترتفع هذه النسبة على وسائل التواصل بشكل كبير، لتصل إلى 80%، وذلك لكون المنشورات فيها عادة ما تدور حول إظهار تفاصيل حياة المرء وإنجازاته، وعندما ينشر المرء صورة شخصية، ويحصل على ملاحظات اجتماعية إيجابية، فإنه يحفز الدماغ على إطلاق الدوبامين، والذي يكافئ هذا السلوك ويؤدي إلى تكراره.

وقد أظهرت عدد من الدراسات، مثل دراسة سماهیل و بلینكا و براون 2012 وجود علاقة ارتباطية بين إدمان مواقع التواصل الاجتماعي وتكوين صداقات عبر الإنترنت، فالأدوات التي تتيحها هذه المواقع لتسهيل التواصل بين مستخدميها، كالمراسلة الفورية وإتاحة التواصل الصوتي والمرئي تؤدي إلى استخدام هذه المواقع لفترات طويلة، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى زيادة الإدمان على هذه المواقع.

وتلعب العلاقات الاجتماعية أهمية كبيرة في مرحلة المراهقة، حيث أنها تغذي حاجة المراهق إلى الشعور بالانتماء إلى جماعة يتشارك معها الاهتمامات نفسها، وتتجانس معه في الخبرات، وبذلك تلعب جماعة الرفاق، والقدرة على تكوين الصداقات، أهمية كبيرة في هذه المرحلة، إلا أن التغيرات النمائية التي يشهدها المراهق في الجانب الانفعالي والجانب الجسدي قد تؤدي به إلى الشعور بالقلق، وضعف الثقة بالنفس، والخجل؛ مما قد يؤثر على قدرته على التفاعل الاجتماعي مع الآخرين، وهنا تقوم وسائل التواصل الاجتماعي بدور مهم في اشباع هذه الحاجات لدى المراهق .

وقد أجرى ديفيز 2012 Davis  سلسلة من المقابلات مع 32 مراهقة، كان الغرض منها معرفة القيمة التي يضعها المراهقون للتواصل الإلكتروني مع أقرانهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتوصل إلى أن المحادثات العرضية التي يجريها المراهقون مع أصدقائهم، وما تتيحه من تبادل الرسائل الفورية في أي وقت خلال اليوم، تساعد على تنمية حس الانتماء لديهم، كما أن خاصية التشبيك الاجتماعي التي تتيحها هذه المواقع ساعدت على توسيع دائرة صداقاتهم.

من جهة أخرى، فإن العزلة الاجتماعية على هذه المواقع، وما يمكن أن يتعرض له المراهق عليها من نبذ قد يهدد شعوره بالانتماء، وقد تم اشتقاق مصطلح (النبذ الحاسوبي) لوصف حالة الاستبعاد التي قد تحدث أحيانا في بيئات التواصل الاجتماعية، ووفقا لهذا المفهوم، فإن استبعاد المرء، أو رفضه وتجاهله على هذه الشبكات يسبب في الواقع ضرر يماثل ضرر النبذ على أرض الواقع، ويهدد الإحساس بالانتماء .

وعلى الرغم من كون العلاقات الاجتماعية على وسائل التواصل قد لا تخرج عن نطاق العالم الافتراضي إلا أنها قد لا تخلوا من بعض الضغوطات، فقد توصلت دراسة إلى أن 32% من المستخدمين يشعرون بالذنب وعدم الارتياح عند رفض طلبات الصداقة التي تردهم على صفحات برامج التواصل، وأن 63% يقومون بتأجيل الرد على هذه الطلبات و10% يكرهون الحصول على طلبات الصداقة من الآخرين، وأعرب العديد من المستخدمين عن قلقهم من ترك صفحات الموقع لأنهم يخافون أن تفوتهم بعض التحديثات الاجتماعية بالإضافة إلى خوفهم من أنهم يهينون أصدقائهم بذلك، وخرجت الدراسة إلى أن الأشخاص الذين يملكون عددا أكبر من الأصدقاء على مواقع التواصل يكونون معرضين بشكل أكبر للضغط النفسي. 

إن وسائل التواصل الاجتماعي قد تلعب دورا مهما في حياة المراهق وتؤثر على سلامة نموه وتلبية احتياجاته في هذه المرحلة سواء كان هذا التأثير إيجابيا أم سلبيا، ولعل ما يحدد اتجاه هذا التأثير طبيعة المشاكل التي يمر بها المراهق ومدی توافقه مع متطلبات هذه المرحلة على أرض الواقع، ووجود الدعم والمساندة الاجتماعية له من الأسرة والمحيطين به، وغيرها من العوامل التي لا يمكن أن ننظر إلى تأثير وسائل التواصل بمعزل عنها .


تعليقات




    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -