مربع البحث

ماهو علم النفس الإيجابي

ماهو علم النفس الإيجابي





مفهوم علم النفس الإيجابي

يقصد بعلم النفس الإيجابي : بأنه الدارسة العلمية ذات الطبيعة النظرية والتطبيقية للخبرات الإيجابية, وللخصال أو السمات الشخصية الفردية الإيجابية ,وللمؤسسات النفسية والاجتماعية التي تعمل على تيسير هذه الخبرات والسمات وتنميتها لخلق إنسان ذي شخصية فعالة ومؤثرة, أي أنه يشكل الدارسة العلمية لكيفية تحقيق السعادة, والاكتفاء الذاتي من قبل الإنسان من أجل اكتشاف كيفية العيش في الحياة بأكثر إنتاجية ممكنة

ويركز علم النفس الإيجابي على مبدأ أن كافة الناس تريد أن تعيش حياة سعيدة ومكتملة والمطلوب بناء نقاط قوة لدى الناس لجعل العالم مكانا أفضل ,ويركز علم النفس الايجابي على ما يسمى بـ بناء التمكين الشخصي وحسن الحال الذاتي في الحياة, ويعني بـبناء التمكين الشخصي: البحث في وسائل بناء الاقتدار عند الكبار والشباب والصغار, وعلى مختلف المستويات الذهنية, والمعرفية, والسلوكية, والمهنية ,والاجتماعية ويرتبط حسن الحال الذاتيبتعزيز الصحة النفسية في أبعادها العاطفية والوجودية وصولاً إلى بناء الحياة الطيبة من خلال الرضا, والتفاؤل, والأمل, والدافعية الذاتية, والسعادة, والأمن النفسي, والقدرة على الحب ,والمها ارت الاجتماعية, وتحقيق الذات.

كما يركز علم النفس الإيجابي على الجوانب الإيجابية الجيدة لدى الفرد والتي تساعده على العيش في مستوياتٍ مرتفعةٍ من السعادة, بمعنى الإحساس بالعواطف والمشاعر الإيجابية والشعور بأن الحياة جديرةٌ بأن نعيشها لأن التفاؤل يدفع الفرد إلى تخطي الفشل وتحمل تحديات الحياة كما أن التسامح يحرر الفرد من الشعور بالمرارة والضغينة حول خبرات الماضي وآثاره السلبية ,وعلى صعيد علاج الاضطراب, يقول سيلجمان وهو مؤسس علم النفس الإيجابي : إن ما يجري في إطار علم النفس الإيجابي هو تعزيز القوة في الفرد , وتوكيد بناء هذه القوة وليس مجرد رعاية الضعف

فالمريض النفسي من وجهة نظر علم النفس الايجابي ليس بحاجة لتخفيف الحزن والكآبة والقلق النفسي فقط بل هو بحاجة شديدة لإشباع حاجاته وتحقيق قدر كبير من الرضا والسعادة وتقدير وتحقيق الذات وبحاجة للسمو والمتعة والتطور المستمر, ويعد الوصول إلى السعادة والتوافق النفسي وتحقيق جودة الحياة والشعور بالثقة بالنفس والأمل والتفاؤل وتوكيد الذات والكفاءة الذاتية والفاعلية الشخصية وتكوين المهارات الإيجابية هي من أهم الاستراتيجيات المستخدمة في علم النفس الإيجابي, ويؤكد علم النفس الإيجابي على أن الإحساس بالسعادة والمرح هو عنصر أساسي وضروري لحياة صحية وحاجة المرء لهذا الإحساس تماماً كحاجته للماء والغذاء والصداقة والنوم والشمس وغيرها , فالدراسات والأبحاث التي أجريت في هذا الموضوع أشارت إلى أن الأشخاص السعداء أقل عرضة للمشكلات العائلية والأسرية أو المعاناة من الأمراض وبالتالي فهم أكثر قابلية ليعيشوا حياة فعالة أطول من غيرهم. 

إن علم النفس الإيجابي يشدد على ضرورة أن تكون الحياة الداخلية للإنسان أكثرعمقاً وثراءً من خلال تعظيم مكامن القوة وتكوين المرونة الشخصية التي تمكن الإنسان من التواؤم والتكيف الإيجابي مع التغيير بل وصناعة هذا التغيير على وفق آلية تحسين نوعية الحياة الإنسانية وجودتها , بدلاً من استمرار عد الأفراد على أنهم أوعية استجابة سلبية للمثيرات, بل ينظر إلى الأفراد بوصفهم صانعي قرار متاحة أمامهم بدائل واختيارات وتفصيلات شخصية يمتلكون قوة فعالة على الظروف المعاكسة, من خلال ما تقدم إن لعلم النفس الإيجابي أهمية في مساعدة الإنسان في حياته أي أن تصبح حياته ذات معنى وأن يكون له هدف في الحياة بأن يجعله ذا شخصية فعالة ومؤثرة وناجحة وسعيدة و يجعله فرداً منتجاً فعالاً في مجتمعه .

الجذور التاريخية لعلم النفس الإيجابي 

تعود الجذور التاريخية لعلم النفس الإيجابي إلى فكرة تنص على أن الإنسان كمخلوق كريم عند الله وعلى نفسه نزل إلى الأرض ليعيش حياة كريمة تحقق له طموحاته المشروعة من دون أن يكون ذلك على حساب الآخرين, وحاول الإنسان بمختلف ثقافاته وحضاراته أن يجيب عن هذا السؤال: كيف نعيش حياة كريمة سعيدة؟ وقد اختلفت الإجابة على هذا السؤال بين مختلف الأديان السماوية: فالديانة اليهودية تنظر للسعادة من خلال اتباع نظرية الأمر الإلهي فالفرد يحصل على السعادة من خلال نيل المكافآت وذلك حينما يتبع الأمرالإلهي .. 

واستمرت الديانة المسيحية على اتباع نظرية الأمر الإلهي في الحصول على السعادة إذ ترى أن السعادة الحقيقية لا تتحقق  إلا في الآخرة, أما الدين الإسلامي  فأن رؤيته في الحياة السعيدة تتجسد في قوله سبحانه و تعالى في سورة النحل " مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أوْ أنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فلنحيينه حَياةً طيِبَةً ولنجزينهم أجْرهُمْ بِأحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلونَ " النحل : 97 . أي الحياة السعيدة الطيبة بالقناعة ، وذلك أن من قنعه الله بما قسم له من رزق لم يكثر للدنيا تعبه ، ولم يعظم فيها نَصَبه ولم يتكدّر فيها عيشه باتباعه بغية ما فاته منها وحرصه على ما لعله لا يدركه فيها.

بعض الفلاسفة مثل وليام جيمس 1902 يذكر أن السعادة هي بؤرة الحياة الإنسانية السوية ويمكن أن يسقط على من يسعون إلى السعادة ويتمتعون بها وصف الأصحاء نفسيًا, إذ قال : الطريق إلى السعادة أن تبدو دائما في كلامك وحركاتك كأنك سعيد 

بعد ذلك جاءت إسهامات علم النفس الإنساني مثل  أبراهام ماسلو, وكارل روجرز وإيريك فروم حيث صاغوا وطوروا نظريات ,ناجحة تتضمن التأكيد على تحقيق وتنمية السعادة الإنسانية على الرغم من عدم استناد أعمالهم وكتاباتهم في هذا المجال على شواهد إمبريقية قوية فيقول العالم كارل روجرز: إن الناس قادرون على ضبط حياتهم, وتوجيه سلوكهم, واتخاذ قراراتهم, والتخطيط لمستقبلهم, وهم يحملون بداخلهم بذور سعادتهم, وهم ليسوا عبيداً للظروف البيئية, ولا رهائن للنزاعات الجنسية والعدوانية, وهم مسئولون أمام ذاتهم ولا يحق لهم أن يلوموا إلا أنفسهم

ولا ننسى أعمال ماري جاهودا وهي من العلماء الذين عاصروا روجرز وماسلووالتي أصدرت في عام1958 كتاباً بعنوان المفاهيم المعاصرة للصحة النفسية الإيجابية والذي يمثل دراسة حالة حقيقية لأسس الفهم العلمي للتنعم النفسي وليس مجرد غياب الكرب النفسي و المعاناة منه وقد أعترف, أن النظرة العلمية التي طرحتها ماري جاهودا في مسألة الصحة النفسية الإيجابية تعد إحدى اللبنات الأساسية في حركة تأسيس علم النفس الإيجابي اليوم ومستقبلاً ..

وكذلك انطلقت بذوره الأولى من أعمال كوكبة من علماء النفس المتخصصين في التعلم الإجتماعي والشخصية وهي أعمال علمية دقيقة فحصت الخبرات النفسية الإنسانية في السياق الاجتماعي ومن أبرزهم العالم ألبرت باندورا ودراساته في فعالية الذات ودراسات وينر في الموهبة والعبقرية والتفوق وما طرحه جاردنر وسالوفي وزملائهم حول التصورات العلمية للذكاء المتعدد, كما كان لجهود الباحثين في علم النفس المرضي وعلم النفس الإكلينيكي  في دراساتهم الموسعة في موضوع نوعية الحياة السعيدة الايجابية بين العاديين من البشر في مقابل المرضى النفسيين أثاًر في وضع الأسس التاريخية لعلم النفس الإيجابي إذ استطاعوا اكتشاف الأسس الحيوية للحياة السعيدة والخبرة الإنسانية الايجابية..

ومن الرواد الأوائل المؤسسين للبحوث في مجال علم النفس الإيجابي هم البروفيسور مارتن سيلجمان, أد دينير, هالي , كريستوفر باترسون , وآخرون كثيرون الذين بشروا بوضع دراسة موضوع السعادة الإنسانية على قائمة البحث العلمي السيكولوجي المنضبط, إذ بدأ مارتن سيلجمان رسميًا تدشين علم النفس الإيجابي سنة 1998 أثناء توليه منصب رئاسة الجمعية الأمريكية لعلم النفس, ومنذ ذلك الوقت أصبح علم النفس الإيجابي مجالاً بحثيًا معترفا به بل مقدرا في نفس الوقت, بوصفه يزود مجال علم النفس الاجتماعي, علم النفس الإكلينيكي, وعلم النفس العام بمدخل دراسة وتحليل مثمر ومفيد جدًا.

وقد أسس مركز علم النفس الإيجابي بجامعة بنسلفانيا سنة 2003 ليجسد بؤرة للمشاريع التعليمية والبحثية التي يدعى للمساهمة فيها الأفراد والمؤسسات من مختلف دول العالم ,وهناك ثلاثة مجالات بحثية متداخلة يهتم علم النفس الإيجابي بدراستها هي:
  • 1. الدراسات التي تتناول الحياة السارة (الاستمتاع,) أي كيف يتعامل الأفراد مع الانفعالات والمشاعر الإيجابية كجزء أساسي وسوي للحياة الإيجابية, مثل العلاقات الاجتماعية الإيجابية, الاهتمامات, الهوايات, الاستمتاع والترفيه.
  • 2. الدراسات التي تعرف بـ الحياة الهادفة ذات المعنى أو معانقة الحياة والانتماء للآخرين وما تتضمنه من إحساس برغد العيش وهنائه, و تبني أهداف أخلاقية عليا تجعل الفرد يتجاوز اهتماماته الذاتية الضيقة إلى أهداف عامة تحقق المصلحة والخير العام وذلك بالانتماء الفعال إلى المنظمات والجماعات الاجتماعية والحركات ونظم الاعتقاد.
  • 3. الدراسات التي تتناول الحياة الجيدة أو حياة الانغماس أو الاندماج التي تهتم بدراسة التأثيرات المفيدة للانغماس والتدفق والتي يشعر بها الأفراد حينما يندمجون بشكل مثالي في النشاطات المفضلة لديهم


تعليقات




    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -