مفهوم الانتباه الانتقائي

مفهوم الانتباه الانتقائي





يعدّ الانتباه من الموضوعات التي شغلت الفلاسفة والمفكرين منذ أمد بعيد وتبلور هذا بشكل خاص من خلال المناقشات التي دارت بين الفلاسفة اليونانيين في عصر الفلسفة اليونانية إذ أكدوا أن الانسان كائن عقلاني ينطوي نشاطه العقلي على ثلاثة انواع هي:
  • 1. المعرفة التي تتضمن القدرة على الإحساس والانتباه والتذكر والتصور.
  • 2. الإرادة التي تعني أن الإنسان مسؤول عن خياراته وسلوكه.
  • 3. الانفعال وكيف يتم السيطرة عليه.

لقد شهد القرن التاسع عشر البدايات التجريبية الأولى للانتباه, فقد حاول "جيفونز" د ارسة الانتباه من خلال حفنة من البقول ألقاها على منضدة محاولا تحديد مقدار ما يستوعبه منها بنظره واحدة, فوجد انه كلما زاد عدد البقول زاد عدد الأخطاء, كما أشار العالم فونت إلى أن الانتباه عُرّف من صيغة وضوح الشعور مؤكدا أن على علماء النفس دراسة العمليات الاولية للشعور لان مجال الشعور يرتبط ارتباطاً مباشرا بالقدرة على التخيل .

أما العالم كالتون, الذي يعدّ من الرواد الذين حاولوا قياس القدرات العقلية والحسية فقد استطاع جذب أكثر من تسعة آلاف زائر إلى مختبره الذي اقيم في معرض لندن الدولي إذ أدهش الزائرين بتجاربه وبين أن هناك 17 قدرة مختلفة يمكن قياسها لدى الانسان منها القدرة على سماع أو تمييز نغمة محددة من بين نغمات متكررة ومتنوعة, اكتشف أن النغمات العالية والمتكررة تصبح أصعب عند السمع لاسيما عند الأفراد الذين هم في أعمار فوق المراهقة, وحتى يستطيع الانسان التوافق مع البيئة فإنه يحتاج أن يتفحص حسياً أو بصرياً ما يحيط به بسرعة وبدقة وان يحتفظ في ذهنه ببعض التفصيلات أو أن يستجيب برد فعل مناسب لبعضها وذلك يستلزم تركيز الانتباه وتكوين مدى من الانتباه يتسع لأكبر عدد من المنبهات في وحده زمنية.

أما "وليم جيمس" مؤسـس المدرسـة الوظيفيـة أكدّ الدلالة الوظيفية, لعملية الانتباه مشيرا إلى إن المثيرات الكثيرة موجودة في الشعور إلا انها لم تدخل بشكل مناسب إلى خبرة الشخص لأنه لم يكن مهتماً في تسجيل هذه المثيرات وتميزها وفهمها وإدراكها مؤكداً أن كل شخص يعرف ما هو الانتباه "انه حيازة أو أخذ الشي المثير بوساطة العقل بصورة واضحة وجلية" وأن عملية تدريب الفكر على وضع الفكرة في بؤرة الشعور يدل ضمناً على تحديد مدى الانتباه لدى الفرد من جهة والتفاعل مع الآخرين بكفاية من جهة آخري, ويؤكد "جيمس" أن التأثيرات الآتية للانتباه تجعلنا ندرك ونفهم, ونميز, ونتذكر, بصورة أفضل ما نستطيع.

وبدأ الاهتمام الفعلي في موضوع الانتباه في بداية القرن العشرين فظهرت أولى المناقشات والأفكار والآراء حوله وذلك من خلال الأعمال المبكرة للعالم بلسبوري, لكن السنوات اللاحقة شهدت إهمالاً واضحاً لموضوع الانتباه, ومما يجدر الإشارة إليه هو إن الدراسات النظرية القليلة للانتباه, كانت تتم على شكل استفتاء وأسئلة نظرية مع ان الجانب الامبيريقي لم يختلف تماماً وهذه نقطة مهمة وفاصلة حددت النهاية التاريخية الطويلة للغموض الذي اكتنف موضوع الانتباه .

إذ أن علماء النفس في تلك المدة ركزوا بشكل عام على وجود, الانتباه و أهميته بوصفه ظاهرة علمية من دون أن يستطيعوا معرفة الكيفية التي من خلالها تتم دراسته ووضعه في دراستهم وبحوثهم وافكارهم النظرية إلا أن السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية شهدت فترة تميز, موضوع الانتباه من حيث درجة الاهتمام به والفهم الأفضل لمكانته ضمن النظريات العامة للسلوك.

ومنذ الثمانينات من القرن الماضي تطورت تقنيات مهمة لفهم عملية الانتباه وهذه التقنيات أعطتنا فهم مفصل بشكل أكبر للأسس البيولوجية للانتباه مما يسمح للباحثين النفسيين تطوير نظرياتهم ودراساتهم وان هذه الد ارسات كشفت لنا شبكة من المناطق عبر الدماغ مسؤولة عن أشكال مختلفة من الانتباه مثال على ذلك عندما يتطلب الانتباه اكتشاف هدف في موقف يتضمن تداخل, مثل الاداء على مهمات ستروب, فأن منطقة باتجاه المقدمة من القشرة الدماغية تبدأ بالنشاط وتتحفز, وقد أشار بورن, وآخرون إلى هذه النقطة من خلال تأكيدهم أن ماهية الانتباه أو جودته تعتمد على جوانب عدة متميزة هي:

  • 1. إن الانتباه يكون انتقائياً بطبيعته . وذلك لأن النظام المعرفي للإنسان يعزل المثيرات المهمة والضرورية ويهيئها لعمليات أكثر شمولاً فيما يعامل المثيرات الأخرى غير المهمة بصورة سطحية ولما كان الانتباه انتقائياً فإنه يتغير من لحظة إلى أخرى وينتقل من مثير لأخر.
  • 2. إن الانتباه يمكن أن يتحدد بدرجة اليقظة, والتأهب, فالفرد حينما يكون يقظاً أو متأهباً يلجأ إلى النظرة السريعة لإبراز الجوانب الأساسية للمثير وفي العادة لا يحدث ذلك حينما يكون غير منتبه للمثيرات الأخرى ومصادرها.
  • 3. إن الانتباه يمكن أن يتوزع عبر مثيرات مختلفة, إذ اشار بورن إلى أن تركيز أو تكثيف الانتباه يؤثر في وعي الفرد لذاته ولعالمه الخارجي ، فالانتباه يمكن أن يتوجه نحو ذات الفرد أي في إحساسه وأفكاره وميوله ودوافعه ورغباته واتجاهاته ومعتقداته أو أن يتجه نحو البيئة المحيطة به وهذا يؤثر بالتبعية في طبيعة التفاعل الاجتماعي للفرد وفي سلوكه اليومي.

تعريف الانتباه الانتقائي

يعرف الانتباه الانتقائي بأنه القدرة على الاحتفاظ أو الاستمرار في الانتباه لموضوع معين في ظل العديد من المشتتات.

ويعرف أيضا بأنه القدرة على استخلاص المعلومة الهامة من بين مجموعة من المعلومات الحسية التي يجب أن نتعامل معها، فعادة ما نتعرض للعديد من المثيرات في نفس اللحظة، ولكننا لا نستطيع أن نتعامل مع كل المثيرات مرة واحدة، ومن ثم علينا أن نختار من بين هذه المثيرات أحدها أو بعضها كي نستطيع أن نتعامل معه بكفاءة، ويتحدد اختيارنا لهذا المثير أو ذلك بمدى أهمية هذا المثير بالنسبة لنا في هذه اللحظة .

ويعد الانتباه الانتقائي إراديا، حيث يحاول الفرد تركيز انتباهه على مثير واحد من بين عدة مثيرات، وذلك بسبب محدودية الطاقة العقلية ومحدودية سعة التخزين وسرعة معالجة المعلومات لذلك فإن هذا النوع من الانتباه يتطلب طاقة وجهد كبيرين من الفرد بسبب عوامل التشتت التي غالبا ما تكون عالية والدافعية لاستمرار الانتباه قد لا تكون بدرجة عالية.

وعليه يمكن تعريف الانتباه الانتقائي بأنه القدرة على انتقاء مثير معين والمحافظة عليه لمدة كافية

مراحل في عملية الانتباه

أمكن تحديد أربع مراحل في عملية الانتباه
  1. المرحلة الأولى - التنبيه : وهي أن تسأل نفسك عن أي شيء يحدث؟ 
  2. المرحلة الثانية - التوجيه : وهي إن تسأل نفسك أين؟ 
  3. المرحلة الثالثة - التحديد : وهي أن تسأل نفسك ما هو؟ 
  4. المرحلة الاربعة - القرار والأداء : وتكون نتيجة الإجابة عن الأسئلة السابقة بالمدة التي يجب أن تقضيها في الانتباه له 

كيف يعرف دماغنا ماينتبه إليه بالتحديد في لحظة ما مع أن اعداد كبيرة من قرارات توجيه الانتباه التي تتم في اللحظة التي يكون جهازنا البصري هو جهاز يعمل باتجاهين إذ أن المعلومات تنساب في كلا الاتجاهين ذهاباً واياباً من أعيننا نحو التلاموس -المهاد البصري- ثم نحو القشرة الدماغية البصرية وهذه التغذية الراجعة هي الآلية التي تشكل انتباهنا كي نركز على شيء معين مثل معلم يحاضر أو يقرأ كتاب.

إن وظيفة الانتباه الصحيحة لا تعني فقط إثارة عدد كبير من الخلايا العصبية الجديدة, بل تعني أيضاً كبت معلومات غير مهمة وأن قابلية الدماغ للانتباه تتأثر كثيراً بالتحفيز أو التذكير, فنحن نرى شيئاً ما على الأرجح إذ ما طلب منا أن نبحث عنه أو إذا ذكرنا مكانه.


أنواع المؤثرات في جلب الانتباه

هناك عدد كبير من المؤثرات التي تجلب الانتباه كما أن الانتباه بطبيعته عملية انتقائية ولأغراض البحث سنقسم المنبهات إلى نوعين هما:

1. العوامل الموضوعية وتشمل :
  • ‌أ. تغير المنبه .
  • ‌ب. شدة المنبه .
  • ‌ج. تكرار المنبه .
  • ‌د. الشيء غير الاعتيادي أو الجديد.
  • ‌هـ. الأشياء محددة الشكل والهيئة.
  • ‌و. الحاجات الأساسية.

2. العوامل الذاتية وتشمل :
  • ‌أ. إن العمل الذي يقوم به الفرد ويقرر ما سينتبه إليه.
  • ‌ب. تتحكم الرغبة الحاضرة في توجيه الانتباه.
  • ‌ج. الاهتمام متحكم قوي بالنسبة للانتباه.
  • ‌د. الانفعالات أو الحالة المزاجية القائمة توجه الانتباه.
  • ‌هـ. المودة موجه قوي للانتباه.
  • ‌و. تصورات الفرد للأشياء توجه انتباهه.


وظائف الانتباه الانتقائي

  • 1. الانتباه الموجه : ويتمثل في محاولة الفرد تعرّف على المثير وحدوثه الحسي في البيئة كأن يبحث الفرد عن أصوات غريبة خلال سكون الليل.
  • 2. الانتباه الانتقائي : هو رغبة الفرد في اختيار المثير الذي يرغب في الانتباه له كأن يقرأ في صفحات كتاب بدلاً من مشاهدة التلفاز.
  • 3. الانتباه المنقسم : هو الانتباه لأكثر من مهمة في نفس الوقت ,ولكن بطريقة تتابعية من خلال تغيير الانتباه من مهمة إلى أخرى لفترة من الزمن.


مكونات الانتباه الانتقائي

  • 1. التركيز العقلي.
  • 2. الانتباه الانتقائي.
  • 3. البحث.
  • 4. التنشيط.
  • 5. التهيؤ.
  • 6. التحليل التوليفي .
  • 7. اليقظة العقلية.
  • 8. الاختيار أو الانتقاء.
  • 9. الجهد .

إن الانتباه يمكن أن يوضح في بعدين من حيث طبيعة الانتباه: الإرادي والانتباه اللاإرادي ومن حيث أمده : الانتباه اللحظي أو قصير المدى والانتباه الممتد أو طويل المدى وبعض مكونات الانتباه يمكن ملاحظتها من خلال خبرتنا اليومية . 

فنحن نعمل انتباهنا للمثيرات من خلال اليقظة العقلية, و الانتقاء والجهد وكل هذه المكونات تؤثر تأثيرا ملموسا على فاعلية الانتباه حيث تقل أو تضعف هذه الفاعلية عندما تكون اليقظة العقلية للفرد عند حدها الادنى كأن يكون الفرد مرهقاً عقلياً أو انفعالياً أو عاطفياً أو غير مهيأً نفسياً أو عقلياً لموضوع الانتباه. 

كما أن الانتباه للمثيرات ليس انتباهاً محايداً وإنما هو انتباه انتقائي تحكمهُ العديد من العوامل مثل طبيعة موضوع الانتباه ومدى ارتباطه بحاجات الفرد وإطاره المرجعي المعرفي أو الانفعالي ومدى تأثيره الحالي أو المستقبلي على حياة الفرد ولذا يرتبط مستوى الجهد العقلي الذي يبذله الفرد تجاه موضوع الانتباه لهذه العوامل كما تحدث الانتقائية في الانتباه نتيجة لمحدودية كل من سعة الانتباه وأمده ومداه من ناحية محدودية سعة التجهيز والمعالجة من ناحية آخرى, كما يحدث تشتت في الانتباه عندما تتداخل المثيرات وتتساوى في الاهمية النسبية لها وتت ازمن أو تتقاطع في تدافعها على مجال الانتباه.
Mohammed
Mohammed

اطلع على مقالات موقع المرجع في جوجل نيوز

يمكنك الحصول على مقالات موقع المرجع من هنا

اضغط هنا