أساليب المعاملة الوالدية

أساليب المعاملة الوالدية





تعرف أساليب المعاملة الوالدية بأنها الأساليب والإجراءات التي يتبعها الوالدان في تطبيع وتنشئة أبنائهما اجتماعيا، أي تحويلهم من مجرد كائنات بيولوجية إلى كائنات اجتماعية.

وقد سبق الإسلام سائر المنظمات والقوانين والنظريات في التأكيد على أهمية العلاقة الفطرية بين الآباء والأبناء، ومن ذلك أن الله بين في كتابه الكريم أن الذرية نعمة من النعم العظيمة. وشدد العلماء المسلمون على أهمية دور الأسرة. ويعتقد العلماء النفسييون أن الوالدين في الأسر المترابطة يعاملون أبناءهم معاملة قائمة على المحبة.

إن التكوين النفسي للطفل ونظرته إلى الحياة وإلى الآخرين ومن حوله هي نتاج طبيعي للبيئة التي نشأ وترعرع فيها بدءا بمحيط الأسرة الصغيرة من الأب والأم والإخوة والأقارب والجيران، ووصولا إلى الأسرة الكبيرة الممثلة في المجتمع الذي يعيش فيه الطفل بقيمه ومبادئه وأخلاقياته، وكل هذه البيئات متداخلة ومتفاعلة لتصنع اللبنات الأولى لتكوينه النفسي الذي يلازمه طول حياته.

كما تؤدي الأسرة دورا بالغ الأهمية في حياة الفرد، فهي المسؤولة عن عملية التنشئة الاجتماعية وتشكيل السمات الجوهرية لشخصية الفرد واكسابه العديد من العادات والتقاليد والاتجاهات التي تتلائم مع ثقافة المجتمع الذي يعيش فيه، أي تحويله من مجرد كائن بيولوجي إلى كائن اجتماعي، ولتحقيق ذلك تتخذ الأسرة أساليبا متنوعة من المعاملة والتي تنعكس على تكوين الفرد وبنائه النفسي الذي يستمر معه طول حياته ويحدد توافقه الشخصي والاجتماعي مستقبلا.

تعد أساليب المعاملة الوالدية التي تتبعها الأسرة تجاه الأبناء ذات أثر كبير في تكوين شخصيتهم، وبنائهم النفسي فبقدر ما تكون أساليب المعاملة الوالدية سوية، يكون سواء شخصية الأبناء في المستقبل، والعكس صحيح.

المعاملة الوالدية التي يتلقاها الأبناء ذات علاقة وثيقة بما ستكون عليه شخصياتهم وسلوكهم وقيمهم وتوافقهم النفسي والاجتماعي في المستقبل، وإدراك الأبناء للمعاملة الوالدية التي يستخدمها الآباء في التعامل معهم، إما أن تكون إيجابية وإما أن تكون سلبية، ويعزى إليها مستوى الصحة النفسية الذي يمكن أن يشكل شخصياتهم بوصفهم راشدين. 

إن إدراك الابن لسلوك والديه يعد أكثر ارتباطا بتوافقه الشخصي والاجتماعي، واستقراره النفسي وتحقيقه لذاته، وهذه الحقيقة تتمشى مع معطيات الصحة النفسية، التي تؤكد دائما أن التنظيم السيكولوجي للفرد يتأثر دائما بمدركاته الشخصية.

أهداف المعاملة الوالدية

توجد عدة أهداف للمعاملة الوالدية وأهمها:
  1. إعلان رابطة الحب بين الطفل والأم وإقامة التزامات حول إمكانات الانجذاب نحو الغير .
  2. تلقين الأطفال نظم المجتمع الذي يعيشون فيه. 
  3. تلقين الأطفال مستوى الطموح اللازم للعيش وسط هذه الثقافة. 
  4. تعليم الأطفال الأدوار الاجتماعية. 
  5. إكساب الأطفال المهارات المطلوبة للتوفيق مع أفراد المجتمع.
  6. غرس القيم وأهداف الجماعة التي ينتمي إليها الطفل لتحقيق توقعات الأدوار الاجتماعية التي سيواجهها مستقبلا . 
  7. إكساب الطفل نسقا من المعايير الأخلاقية التي تنظم العلاقات بأعضاء الجماعة، وتمثل هذه المعايير السلطة الخارجية.

دور الأسرة في المعاملة الوالدية

الأسرة هي المحيط الأقرب إلى الطفل خلال سنوات حياته الأولى التي يتعلم فيها الكثير من الخبرات اللازمة لنموه الجسمي والعقلي والانفعالي والاجتماعي. فكل أسرة تمثل نظاما اجتماعا معينا ووسطا ثقافيا ذا نمط فريد يتفاعل الطفل خلاله، ويتعلم خبرات تؤدي إلى نمو أنماط سلوكية معينة تتماشى مع الواقع الثقافي للمجتمع وتوجيهاته المستقبلية، ولكل عضو فيها توقعات معينة ودور متميز في عملية التطبيع الاجتماعي، وذلك بحكم مركزه في الأسرة، وفي الأسرة يتعلم الفرد الاتجاهات والأنماط السلوكية التي تحدد ما سيكتسبه فيما بعد من الجماعات الأخرى. 

وتفاعل الطفل مع والديه وإخواته يحدد إلى درجة كبيرة طبيعة تفاعله مع الآخرين في مراحل تالية من مراحل النمو، كما أن الأسرة ليست أولى خطوات الفرد نحو الارتباط بالغير فحسب، ولكنها أيضا نموذج للعلاقات الجماعية التالية، فالطفل ينقل إلى الجماعة التي يلعب معها اتجاهاته الشعورية واللاشعورية المهمة نحو نفسه والوالدين والإخوة، وهي نفس الاتجاهات التي تكونت في مجرى الحياة الأسرية. 

والبيئة الأسرية هي البيئة الوحيدة القادرة على توفير أسباب الأمن والاطمئنان لأبنائها، وبالتالي تسهم بدرجة كبيرة في تحقيق الصحة النفسية لكل أفرادها، فالأسرة هي المنوطة بإشباع حاجات الطفل، تلك الحاجات نعتبرها حجر الزاوية في بناء الشخصية السوية. كما تعد الأسرة المكان الأول للتربية والتنشئة في مراحل الطفولة الأولى، إذ تقوم الأسرة برعاية الطفل وتهذيبه في أهم الفترات وأعمقها أثرا في بناء شخصيته وتكوين اتجاهاته وأفكاره في كل ميدان، بل وفي تشكيل حياته بصفة عامة، فالأسرة هي التي تبدأ بتعليم الطفل الصغير اللغة، وتهيئته لاكتساب الخبرات في مناحي الحياة المختلفة.

كما إنها تؤثر في النمو النفسي (السوي وغير السوي) للطفل ، وتؤثر في تكوين شخصيته وظيفيا وديناميا، فهي تؤثر في نموه الجسمي ونموه العقلي ونموه الانفعالي.

إسهامات الأم ودورها في المعاملة الوالدية

يعتمد الطفل في بداية حياته اعتمادا كليا على الأم فهي التي تشبع حاجاته، وفي نفس الوقت يؤسس أول ارتباط عاطفي مع الأم كتعبير عن الاستجابة الاجتماعية ، كما أن سلوك واتجاهات الطفل ترتبط بردود أفعال الأم بما تحب أو لا تحب، وبشكل أوسع ينقل للطفل عن طريق الأم كل القيم والمعتقدات الاجتماعية، فهي من يطبع الطفل بطابع خاص.

كما أن للأم دورا مهما في توجيه عملية التنشئة الاجتماعية، سواء أكان اتجاها سويا أم مرضيا وفقا لنوع علاقة الطفل بأمه، ولعله من المفيد هنا الإشارة إلى أن العلاقة تؤثر في تكوين شخصية الطفل وتكيفه مع المجتمع، كما أن علاقة الطفل بأمه تؤدي إلى تقبل الطفل لذاته وتنمية قدراته الجسمية والنفسية والعقلية والانفعالية، وذلك إذا كانت هذه العلاقة تتم في جو من تقبل الأم لطفلها وحبها له. 

ويتأثر الجنين في رحم الأم بحالتها النفسية والصحية أثناء الحمل، وأية إصابة للأم، سواء ببعض الأمراض الجسمية أو الاضطرابات الانفعالية والنفسية، قد تؤدي إلى مشكلات دائمة للطفل فيما بعد تتعلق بصحته الجسمية والعقلية والنفسية.

ويعد التفاعل الإيجابي بين الأم والطفل القائم على الود والحب هو أساس الصحة النفسية والنمو النفسي السليم للطفل، كما يتفق علماء النفس والاجتماع على أن الأم هي وسيط للتنشئة الاجتماعية، فهي أول ممثل للمجتمع يقابله الطفل عن طريق العناية والرعاية التي تم بها الطفل، فهي تبدأ في تنبيه العواطف والرموز التي تعطي الطفل الطبيعة الإنسانية، كما تمكنه من أن يصبح عضوا مشاركا بصورة إيجابية في المجتمع.

ومما سبق يتضح أن العلاقة بين الأم والطفل علاقة مستمرة ومتواصلة، هذه الاستمرارية هي الضمان الوحيد لسويته وصحته النفسية وسلامته للتدرج والارتقاء والنمو، كما أنها ضرورية لضمان التدفق الوجداني المتصل لتيار الثقة والأمن والطمأنينة.

دور الأب في المعاملة الوالدية

إن لدور الأب قيمة مهمة في عملية التنشئة الاجتماعية للطفل، وذلك لأن شعور الطفل تجاه محبة والده وتقديره له وعلاقته به أمرا له خطورته وأهميته، بل إن آثاره لها خطورتها وأهميتها الكبيرة في سلوك الطفل وتكيفه وتمتعه بالأمن والاستقرار النفسي. 

وكان ينظر إلى الأب في الفترات الماضية على أنه مصدر دعم مادي لكل من الزوجة والأطفال، فقد كانت علاقة الأب بأطفاله الصغار محددة تماما، ولكن مع تقدم العصر وتحرير المرأة أصبحت ظاهرة تربية الآباء لأطفالهم الصغار واضحة بصورة كافية تسمح بدراسة تأثير الآباء في نمو شخصية أطفالهم، ويعتبر وجود الأب داخل كيان الأسرة ضروريا وحيويا، فهو الذي يمارس مهام ووظائف تعجز الأم عن القيام بها، وعليه فلا يمكن للأم أن تعوض غياب الأب. 

ويتعلم الطفل من الأب السلوك الاجتماعي المناسب لجنسه والذي يميز الذكور عن الإناث، فيتعلم الطفل أنماط السلوك التي يعتبرها المجتمع مناسبة ومميزة لجنسه، وإذا كان الأب يمثل السلطة في المنزل، فإن الأبوة المستنيرة تدرك إدراكا حقيقيا أن هذه السلطة لا تعني الحرمان أو القسوة أو القمع لكل رغبات ونزعات الطفل، بل تعني التنظيم والتوجيه الذي يحتاجه كل طفل ويساعده بشكل كبير على الإدراك الحقيقي لذاته وفهم إمكاناته وقدراته .

لذا يجب أن يقوم الأب بتعليم قواعد السلوك للابن، وذلك من خلال إحساس الابن بالصداقة مع الأسرة بمعنى أن الآباء هم الذين يضعون البذور الإنسانية لسلوك الأبناء، فهم يفرضون السلوك الطبيعي أو السلوك المصطنع.

أنماط أساليب المعاملة الوالدية

تتنوع أساليب المعاملة الوالدية ما بين إيجابية وسلبية، ففي حالة الأساليب الإيجابية يستخدم الوالدان أساليب كالتقبل، والديموقراطية، والتسامح، وغيرها، وبالتالي تنعكس على بناء شخصية الابن إيجابيا فيتمتع بصحة نفسية جيدة، حيث يكون واثقا من نفسه، متزنا، قادرا على الاندماج مع الأسرة والمجتمع وتكوين علاقات اجتماعية طيبة.

وقد يلجأ الآباء والأمهات في أحوال كثيرة إلى استخدام أساليب خاطئة في معاملة الأبناء مثل: الحماية الزائدة أو الدلال المفرط أو الإهمال الزائد، أو إثارة مشاعر النقص، فإذا كان هذا حال المعاملة الوالدية، فإن الابن سينشأ على الخوف وعدم القدرة على تحمل المسؤولية ويصاحب ذلك القلق، وتغلب عليه النظرة المتشائمة، ويعاني من الاغتراب.

تختلف أساليب المعاملة الوالدية من أسرة لأخرى ومن مجتمع لآخر، بل وتختلف داخل المجتمع الواحد، حيث اختلاف أنواع أساليب المعاملة، وكذلك أهدافها ومعاييرها بينُُ من وقت إلى آخر.

يمكن وضع أنماط التفاعل الوالدي في خمسة أبعاد قطبية، يحمل كل قطب نمط التفاعل السوي واللاسوي، كما يلي:
  1. التقبل / الرفض
  2. الرعاية / الإهمال
  3. التسامح / القسوة
  4. المساواة / التفرقة
  5. الديمقراطية / التسلطية

أساليب المعاملة الوالدية اللاسوية وآثارها على الصحة النفسية للطفل

أساليب المعاملة الوالدية غير السوية

آثارها على الصحة النفسية

الرفض أو الإهمال أو نقص الرعاية

الشعور بعدم الأمن – الشعور بالوحدة - محاولة جذب انتباه الآخرين - السلبية والخضوع - الشعور العدائي والتمرد - عدم القدرة علي تبادل العواطف - الخجل - العصابية - سوء التوافق .

القسوة والتسلطية

الاستسلام والخضوع أو التمرد - عدم الشعور بالكفاءة - نقص المبادأة - الاعتماد السلبي على الآخرين - قمع وكبت استجابات النمو السلبية - عدم التوافق مع متطلبات النضج .

التفرقة

العداء والكراهية – الشعور بعدم الأمن - استخدام الحيل العصابية التي يستخدمها الوالدان.



Mohammed
Mohammed