العلاج الأسري الإيجابي
ماذا يعني العلاج الأسري الإيجابي
يستخدم مفهوم "الإيجابي" في العادة بطريقة أخلاقية. ولكن وبغض النظر عن كون "إيجابي" عبارة عن حكم قيمة، فإن المنظومة المرجعية هي التي تقدم المقياس للخير والشر.
وبالذات فإن العلاج الأسري الإيجابي يشكك بهذه المنظومات المرجعية بالذات. "فإيجابي" يعني هنا أمر آخر. المقصود فيه هو معناه الحرفي الأصلي في اللاتينية Positum، أي الحقيقي أو الفعلي، المعطى. الحقيقي والمعطى ليست الصراعات والاضطرابات بالضرورة وإنما أيضا القدرات (الكفاءات) التي يحملها كل شخص معه.
وهذا لا يعني بختم كل شيء بعلامة إيجابية. فالعلاج الأسري الإيجابي يحاول التفريق بين السلوك الحرج والقدرات (الكفاءات), وهذا الإجراء وحده هو الذي يتيح فصل الأجزاء السلوكية الخالية من الصراع أو الثابتة عن الأعراض. إنه يجهز المريض على التعامل الأفضل مع المشكلات القائمة. وخلف كل وظائفنا الجسدية والنفسية والاجتماعية تكمن القدرة على التمايز. وليس التدخل العلاجي في النهاية ، بغض النظر عن الطريقة التي يستخدمها إلا محاولة تمكين المعني من التمييز الدقيق والمتلائم مع الوضع. إنه يسمح له التصرف بشكل متلائم مع متطلبات موقف ما في إطار تصورات أهدافه.
ينطلق تصور العلاج الأسري الإيجابي من الرؤية القائلة : أن كل إنسان يمتلك بدون استشاء قدرتين (كفائتين أساسيتين)، قدرة المعرفة وقدرة الحب (كفاءة المعرفة وكفاءة الحب), كلاهما تعتبران من جوهر كل إنسان. وحسب ظروف جسده ومحيطه والعصر الذي يعيش فيه تتمايز هذه الكفاءات الأساسية وتقود إلى بنية واضحة من سمات الطبع (كما يوضح الشكل التالي).
وتمثل القدرة على الحب (كفاءة الحب) مجال الانفعالية والمشاعر والدوافع. وكتعبير عن العلاقات البين إنسانية تشمل قدرات الحب (القدرة على إقامة علاقات انفعالية بشكل فاعل) وأن يكون الإنسان محبوبا (تحمل الاهتمام الانفعالي).
وبمساعدة قدرة المعرفة (كفاءة المعرفة) نصمم خبراتنا. وتمثل خصوصية الإنسان في طرح الأسئلة والبحث عن إجابات لها تعبيرا عن قدرة المعرفة (كفاءة المعرفة). وهي تتضمن القدرة على التعلم (جمع الخبرات) وعلى التعليم (إعطاء الخبرات).
وكما تمتلك البذرة كمية من الإمكانات التي تمكنها من التفتح من خلال البيئة، من نحو التربة والمطر والزارع، يطور الإنسان كفاءاته في علاقته الوثيقة بالمحيط. ومن هنا لا نجد كلا القدرتين صافيتان، وإنما على شكل تجليات، أصبحت عليها من خلال بني العلاقة في الأسرة والمجتمع وخبرات التعلم من تاريخ الحياة. ومن الكفاءات الأساسية وتفتحها في المحيط تتطور كل القدرات الأخرى (قارن الكفاءات الراهنة).
ولا تعني فرضية الكفاءات الأساسية شيئا غير إن الإنسان خير بطبيعته. وهذا يسري بغض النظر عن العرق والطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها والأنماط النفسية التي يصنف ضمنها. ولا يمتلك الأصحاء وحدهم الكفاءات الأساسية وإنما المرضى كذلك المضطربة وظائفهم النفسية والجسمية. فإذا ما تم كبح هذه الكفاءات الأساسية في نموهم أو أهملت أو تمت صياغتها بشكل أحادي الجانب، تنشأ عندئذ الاستعدادات للصراعات - المتسترة والواضحة.
الأعمدة الثلاثة للعلاج الأسري الإيجابي
منذ عام 1968 أعمل على تصور للمساعدة الذاتية والعلاج النفسي أطلقت عليه تسمية العلاج الأسري الإيجابي. وقد قمت بعرض أسس وتقنيات هذه الطريقة بشكل مفصل في كتابي العلاج النفسي الإيجابي، نظرية وممارسة طريقة جديدة. أما هنا فسوف أتعرض إلى تطبيقات هذا التصور في الإطار العلاجي الأسري.
يقوم العلاج الأسري الإيجابي على أعمدة ثلاثة:
1- المبدأ الإيجابي
ففي حين أن كثير من الأساليب العلاجية القائمة تنطلق من الاضطرابات والأمراض، فإن الطب الوقائي والعلاج النفسي يتطلبان أسلوبا يأخذ بعين الاعتبار إلى جانب الاضطرابات قدرات وإمكانات النمو للإنسان. ومن خلال اهتمام العلاج الأسري الإيجابي بالقدرات الإنسانية الأولية، القدرات الأساسية والراهنة، فهو قادر على التوجه إلى الناس من مختلف الطبقات الاجتماعية وتنوير المشكلات البين ثقافية. ويشترط هذا المبدأ إجابة عن كلا السؤالين الأساسيين:
- ما الذي يشترك فيه الناس جميعا؟
- بماذا يختلفون عن بعضهم؟
لا يعاني المرضى من الأمراض والاضطرابات فحسب، وإنما من اليأس أيضا ، الذي يتم الإيحاء لهم به من خلال التشخيص. وهذه الحال مشروطة تاريخية وثقافية. ويمكن تجنب حالة اليأس هذه من خلال عدم الانطلاق في وصف القدرات الإنسانية والاضطرابات من نموذج، وإنما استخدام نماذج تفكير أخرى. ويمكن اشتقاق هذه النماذج البديلة من خلال المنظومات المرجعية النظرية الأخرى والثقافات الأخرى.