سيكولوجية الضحك
تأليف : أحمد عطية الله
نشر : دار إحياء الكتب العربية
مقدمة الكتاب
عندما نضحك نحس بأن هذه الروح المرحة التي تغمر نفوسنا تعصف بآلامنا وأحزاننا حتى تكاد تقتلعها من جذورها ولو إلى حين ، إذ أن نفور الإنسان من الألم وإقباله على منع الحياة و لذائذها هو دستور الحياة ، والضحك مقياس اللذة والمرح والسرور.
عندما نهرب من آلام الحياة بالضحك ، تتلاشى الحدود والقيود بيننا وبين الغير ؛ ويقرب الضحك بين نفوسنا حتى ننسى ما شجر بيننا من خلافات وعداوات فنعيش فترة من الزمن أحبابا متعاطفين ، حتى إذا تراجعت هذه الموجة انحسرت من جديد عما بذرته الحياة في نفوسنا من أحزان وما غرسه المجتمع من تقاليد مريرة بغيضة . فالضحك كصمام الأمن ، ينفس عنا الكرب إذا اشتد ويترفق بنا إذا عصفت بنا الأيام .
والضحك كغيره من الخصائص الانسانية الواضحة قد استهوت دراسته رجال الفكر منذ أقدم الأزمنة ، بل ان مذاهب الأخلاق قد بنيت على أساس من اللذة والألم .
وهذا الكتاب عرض سیکلوجي لهذه الظاهرة النفسية، بمعنى أنه عرض وصفي في جملته ؛ حتى إذا أحاط القاري بنواحيه، انتقل إلى استقصاء الأسباب والأغراض وراح يسأل نفسه : لماذا يضحكنا هذا المشهد وتستهوينا هذه النادرة ؟ ومن ثم يسأل نفسه عن وظيفة الضحك في الحياة ، وتأثير ذلك على المجتمع .
وعني المؤلف عناية خاصة بدراسة الفكاهة الشعبية ، ودراسة البيئة المصرية واستقصاء العوامل التي كيفت الفكاهة فيها ؛ وحاول أن يتتبع التطور الذي سارت فيه الفكاهة من العصور القديمة (كما هو مسجل في كتب الأدب العربي القديم إلى العصر الحاضر الذي قامت فيه الصحافة بدور هام بتسجيل ألوان الفكاهة، من نوادر ونكات وهزلیات نثرية وشعرية ، ومن رسوم فكهة تصور الحوادث الجارية والتقاليد الشائعة كما تراها عين الرسام الهزلي .
وحاول المؤلف في عرض نظريات الضحك أن يوضحها بشتى الأمثلة من مشاهد الحياة اليومية ومن البيئة المصرية بصفة خاصة حتى يوثق الصلة بين القاريء وبين المجتمع الذي يعيش فيه..
وفي عرض النظريات العامة لم يحاول المؤلف أن يتعصب لنظرية أو يقلل من شأن غيرها ، بل رأي من واجبه أن يدافع عن كل نظرية من هذه النظريات إذا ماتعرض لها ، لأنه يعتقد أن هذه النظريات مكملة بعضها لبعض ؛ وأن الغلو في تقدير أهمية نظرية على حساب أخرى شطط مابعده شطط .