الدليل المنهجي لإعداد البحوث ومذكرات التخرج
إعداد: براهيمي سهام
نشر: المركز الديمقراطي العربي للدراسات الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية
برلين 2020
مقدمة الدليل المنهجي لإعداد البحوث ومذكرات التخرج
يواجه الكثير من الطلبة صعوبة في اختيار موضوع الدراسة أو مذكرة التخرج في مرحلة الليسانس أو في مرحلة الماستر ، ولعلى الأمر يزداد صعوبة وتعقيدا خلال مرحلة الدكتوراه وبالتالي لا يبقى أمامهم سوى الاتصال بالأستاذ المشرف أو حتى الاستعانة بالإدارة ، وفي حالات كثيرة يتم انتقاء الموضوع عن طريق الاستعانة بالعناوين الجاهزة والتي بحث فيها من قبل
كما قد تكون العشوائية هي الوسيلة المتبقية لأجل اختيار المواضيع دون مبالاة من الطلبة بما يعود عن ذلك من مشاكل وأثار سلبية ، تجعل الباحث في أخر المطاف إما أن يقدم بحثا لا يرقى إلى درجة البحث الأكاديمي، أو تقديم جريمة بحث إن صح القول عن طريق استنساخ موضوع معين ، وهذا ما يبين أهمية مرحلة اختيار موضوع الدراسة باعتبارها من المراحل الأساسية المكونة للبحث العلمي ، فمن أحسن البداية أحسن النهاية .
في هذه الورقة البحثية سنحاول قدر المستطاع تحديد بعض المعايير المعتمدة من فقهاء المنهجية ، والتي تساعد الطالب في اختيار موضوع بحثه .
يعرف البحث العلمي عند بعض فقهاء المنهجية على :"أنه إعمال الفكر وبذل الجهد الذهني المنظم حول مجموعة من المسائل أو القضايا ، بالتفتيش و التقصي عن المبادئ أو العلاقات التي تربط بينهما وصولا إلى الحقيقة التي ينبني عليها أفضل الحلول لها".
من خلال ما تقدم نستطيع أن نقدم إشكالا مفاده البحث في الأسس التي يجب أن يراعيها الباحث وهو يختار موضوع بحثه، فنطرح التساؤل التالي ما هي المعايير المتبعة لأجل اختيار موضع الدراسة والتي يجب على الطالب إتباعها؟ لإمكانية تحديد موضوع البحث العلمي في مجال القانون أو حتى في باقي المجالات العلمية الأخرى فلابد من توافر مجموعة من المعايير التي تساعد الطالب في التصدي للمشاكل التي تواجهه أثناء اختيار موضوعه، و التي نقسمها إلى قسمين أساسين على النحو التالي:
- معايير ذاتية
- معايير موضوعية
ولكن قبل التعرض لذلك لا مانع من عرض مختلف مراحل إعداد المذكرة حتى يستطيع الطالب أن يتبينها، وعليه فتحدد هذه المراحل في :
• مرحلة اختيار موضوع الدراسة وعنوانه في عملية إعداد البحث العلمي. (موضوع المداخلة)
• مرحلة جمع المادة العلمية لإعداد البحث العلمي. • مرحلة القراءة والتفكير في عملية إعداد البحث العلمي .
• مرحلة التبويب والتقسيم في عملية إعداد البحث العلمي .
• مرحلة تخزين المعلومات في عملية إعداد البحث العلمي .
• مرحلة الكتابة في عملية إعداد البحث العلمي.
• مرحلة وضع البحث العلمي في شكله النهائي .
المحور الأول : المعايير الذاتية في اختيار موضوع الدراسة
يخضع اختيار موضوع الدراسة لجملة من المعايير الذاتية التي تساعد الباحث في تحديد موضوع بحثه، هذه المعايير لها علاقة بشخصية الباحث من رغبة نفسية ذاتية واستعدادات وقدرات ، نوضحها على النحو التالي:
1- الرغبة النفسية الذاتية: تعد الرغبة الذاتية عاملا مهما من عوامل ومعايير انتقاء الموضوع ، وذلك لأنها عملية تكامل واندماج نفسي وحتى عاطفي بين الباحث وموضوع بحثه، الأمر الذي يجعل الباحث مستعدا التحمل أعباء دراسته والسعي وراء الإلمام بجزئياتها، ورغبة الباحث تنبثق من اختياره أولا لتخصصه، هذا الأخير الذي يمكن أن نقسمه إلى تخصص أكاديمي و تخصص مهني .
التخصص الأكاديمي : يكتسب الباحث هذا التخصص من خلال دراسته للمقاييس المقررة عليه في جميع سنوات الدراسة من الليسانس إلى الماستر ، فخلال هذه المرحلة يستطيع الطالب أن يحدد میولا نحو فروع تخصصه ، كمن يدرس تخصص القانون العام فيميل إلى اختيار موضوعه من القانون الإداري أو القانون الدستوري... الخ .
التخصص المهني ويقصد به ارتباط الموضوع بعمل ومهنة الباحث ، فيختار هذا الأخير بحثه في نطاق الوظيفة التي يمارسها ، وهذا من أجل تعميق المعلومات والمعارف حول مهنته الممارسة ، كما يستغل نتائج بحثه في تحسين وتطوير مهنته ، فطبيعة الحال يفترض أن يكون الطالب في هذه الحالة يمارس نشاط معين يستند إليه في تحديد موضوع دراسته ، فالطلبة الموظفين هم المعنيين بالدرجة الأولى من غيرهم في هذه النقطة ، فالموظف في الضرائب يدفعه تخصصه المهني في العمل على المنازعات الجبائية ، أو اختيار موضوع حول ضرائب الشركات ... وغيرها من المواضيع المرتبطة بهذا التخصص .
2- الاستعدادات والقدرات الذاتية للباحث : إن الاستعدادات والقدرات الذاتية للباحث لها أثر مباشر على اختيار الموضوع ومدى تناسقه وانسجام جزئياته ، لهذا وجب على الباحث أن يمتلك مجموعة من المعارف والمهارات حتى يستطيع أن يكون موضوعا لدراسته ، فلا تكفي الرغبة الذاتية لاختيار الموضوع إذ لابد من تتويجها بهذه القدرات والاستعدادات الذاتية ، فمن يميل إلى موضوع معين ليس بالضرورة أن يبدع فيه مادام غير ملم بجزئياته ولن يتسنى له هذا إلا بسعة الاطلاع والتفكير والتأمل.
ولعل من أهم هذه القدرات نجد القدرات العقلية التي تمكن الباحث من الفهم والتحليل والربط والمقارنة والاستنتاج ، إلى جانب القدرات اللغوية فمن يريد اختيار موضوع مقارن كدراسة مقارنة بين قانون عربي وأخر أجنبي لابد و أن يكون يجيد على الأقل اللغة الأجنبية ، ذلك أن المصادر و المراجع التي سوف يستند إليها تكون مكتوبة بلغة أجنبية الأمر الذي يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار قبل انتقاء موضوع معين .
المحور الثاني : المعايير الموضوعية في اختيار موضوع الدراسة
يخضع اختيار موضوع الدراسة لجملة من المعايير الموضوعية التي تجعل الباحث يدرس موضوعه المختار دراسة جادة ، ولعلی من بين أهم هذه المعايير نجد ما يلي:
1- أن يكون موضوع الدراسة محددا: التحديد معناه وضع إطار يستطيع الباحث من خلاله أن يضيق ويوسع من موضوع بحثه ، لهذا وجب أن يحسن الطالب اختیار الموضوع المراد العمل عليه ، فيجب أن لا يكون فضفاضا واسعا وبالتالي لا يستطيع أن يلم بجزئياته ، ولا أن يكون ضيقا محصورا وبالتالي لا يجد الباحث ما يكتب وهذا لانعدام المراجع والمصادر المستعملة في ذلك فمن أراد التكلم عن موضوع "الحماية القانونية الحق المؤلف في التشريع الجزائري" لاشك أنه وسع من موضوعه هذا خصوصا بالنسبة لطلبة الماستر، فيقتضي أن يتطرق للحماية المدنية والجزائية وحتى الإدارية ، كما يجب عليه أن يبحث في التشريعات التي نصت على حقوق المؤلف کالأمر المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة ، كذلك في قانون الجمارك... وغيرها .
2- أن يكون الموضوع دقيقا وواضحا : مفاد هذا العنوان أن تكون الرؤية مكتملة في ذهن الباحث حول الموضوع الذي يريد أن يعمل عليه ، وفي هذه النقطة ننصح الطلبة بالرجوع إلى الدراسات السابقة لتحدد بصفة دقيقة الموضوع وإطاره العام .
3-الأصالة والجدة : إن التطرق لبحوث قديمة لا يعدو على كونه نسخا لبحوث ودراسات سبق التعرض إليها الأمر الذي ينعدم معه إثراء حقل المعرفة ، لهذا فطالما أن الأصالة من المعايير الأساسية للبحوث العلمية فلا حاجة لنا التكرار المواضيع وتضيع الوقت ، ولكن قد تكون أمام حالة بحيث لا نستطيع أن نقول أن كل المواضيع المكتوب فيها قد أخذت حقها في الكتابة والتحليل والمناقشة ، فقد نجد موضوعا مكتوب فيه من طرف مجموعة من الباحثين ولكن لكل طريقة طرحه هل يعد هذا من قبيل حالة البحوث المستهلكة ؟ إجابة عن هذا نقول لا يمكن تصنيف هذا العمل من قبيل البحوث المستهلكة ولكن نرى أن الطالب إذا وجد بحثا مشابه لبحثه فعليه قبل ترسميه إداريا أن يتحصل على البحث الأول ويلاحظ طريقة العرض فان كانت ذاتها الطريقة التي يريد إتباعها فهنا نقول أن الموضوع الثاني مستهلك في حالة اختياره ، في حين إذا كانت طريقة العرض والمناقشة والتحليل مخالفة للبحث الأول فلا محالة أن البحث الثاني يتصف بالأصالة والجدة وإن كان له نفس العنوان السابق.
4- أن يكون وافر المادة العلمية : المادة العلمية السابقة هي المورد الرئيس الذي يستقي منه الباحث معلوماته ، فانعدامها يجعل الباحث في حرج ويكون له مشكلة ، وهذا ما سميناه بالتحديد الضيق لموضوع الدراسة ، لهذا معالجة إشكالية معينة تستوجب توافر المصادر والمراجع ، وإلا فلا جدوى من إجراء الدراسة ، ويمكن أن نستقي المعلومات أو المادة العلمية بصفة عامة من المصادر التالية :
- المصادر : وهي المادة العلمية التي كتب فيها لأول مرة وتسمى بأمهات الكتب أي كتب فيها لأول دون استعمال مصادر وسيطة في نقلها مثل القران الكريم السنة النبوية ، القوانين ، المعاهدات
- المراجع : وهي التي تستمد معلوماتها من المصادر والوثائق الأصلية المباشرة كالكتب ... وغيرها .
- الدراسات السابقة : وهي تمثل رسائل الدكتوراه ، مذكرات الماجيستر ، الماستر - المجلات : وينصح باستخدامها لأنها تعالج جزئية معينة فقط.
- المشاريع البحثية : ونقصد بها مخابر البحوث عبر مختلف الجامعات.
- الملتقيات والندوات والأيام الدراسية ( قد ينتقي الباحث فكرة بحثه أو موضوعه من خلال حضور هذه الملتقيات والندوات و الأيام الدراسية ، فالمناقشة التي تفتح بمناسبتها قد تكون فكرة موضوع بحث)
5- إمكانية البحث في الموضوع المختار : وتعني عدم اختيار موضوعات معقدة أو متشعبة تفوق قدراته ومؤهلاته كمن يريد أن يجري دراسة مقارنة حول واقع السجون بين الجزائر و أمريكا وهو عاطل عن العمل ، فدراسته واضحة أنها ليست مكتبية بل هي دراسة تطبيقية على حالة السجون في الجزائر وفي أمريكا فستلزم منه الأمر القيام بزيارة إلى أمريكا لمعاينة سجونها عن كثب ، لهذا لا يستطيع البحث في هذا الموضوع لقصور مؤهلاته المادية ، فضلا عن الإجراءات المعقدة ربما التي تعتمدها هذه الدولة الدخول سجونها .
في نهاية هذه المداخلة يجب أن نذكر بأن الباحث هو المسئول الأول و الأخير عن بحثه لهذا وجب عليه حسن الاختيار ولا يعتمد على المؤطر في تحديد الموضوع ، فقد يحدد له المشرف موضوع ولكن لا يستطيع الباحث العمل عليه ، وهذا ربما قد يرجع لانعدام أحد المعايير الذاتية لاختيار الموضوع ، كعدم رغبة الباحث العمل على هذا الموضوع ، أو لتضارب الاختصاص الأكاديمي و المهني مع الموضوع المختار ، فيصبح حينها الطالب في حرج من أمره. كما ننصح الطلبة على أن يعودوا أنفسهم على المطالعة والقراءة وحضور الملتقيات والندوات و الأيام الدراسية ، فهذه المعطيات كلها من بين الأمور التي تساعد الطالب على اختيار الدراسة التي يريد ، كما لا يجب عليه الانتهاء من الدراسة حتى يختار بل الاختيار مصاحب لدراسته خصوصا الدراسات في مرحلة التخصص.