مربع البحث

كتاب التربية في مئة كلمة

التربية في مئة كلمة





تأليف: باتريك رايو وأغنيس فان زانتن

ترجمة: نهوا عز الدين السكافي

إصدار: المنظمة العربية للترجمة - بيروت



قد يتساءل البعض عن أهمية ترجمة مفردات تربوية من ثقافة مجتمع إلى ثقافة مجتمع آخر، يختلف عنه اجتماعياً وفكرياً وعقائدياُ، وفي الرد على هكذا تساؤل يمكن القول إن التربية، كانت ولا تزال، إحدى أهم وسائل التواصل منذ الطفولة المبكرة، وحتى سن متأخرة من النضج.

وفي كتاب (التربية في مئة كلمة)، يعالج مؤلفا الكتاب مفردات في متناول الجميع، وتنتمي إلى مجال يطال جميع أفراد المجتمع بدءاً من الأسرة الصغيرة (الأم، الأب، المربية)، إلى الأسرة الكبيرة (العائلة الممتدة، المدرسة،.....)، ومن جهة أخرى هو نقل معارف مجتمع آخر، المجتمع الفرنسي على وجه الخصوص، بهدف الإفادة من تجارب المجتمعات الأخرى، ومفاهيمها، وتحقيق المتعة العقلية في الاستكشاف والتعرف.

مؤلفا الكتاب هما الفرنسي باتريك رايو، مدرس علوم التربية في جامعة باريس الثامنة، وهو متخصص في الثقافة والتربية، وله كتاب بعنوان (سوسيولوجيا المجتمع)، والكاتبة الفينزويلية أغنيس فان زانتن، وهي تعمل في مجال الأبحاث العرقية الاجتماعية، ولديها العديد من المؤلفات في التربية والسياسات التربوية وعلم الاجتماع.

في التقديم للكتاب، يشير المؤلفان إلى أن مفردات التربية التي اعتمداها تنتمي إلى المحيط المدرسي، أي المفردات التي يتعلمها الأطفال فور عبورهم أبواب المدرسة، وهي مفردات من الجدل الاجتماعي الدائم والمخُتلط حول هذه المؤسسة-المدرسة، مفردات أكثر علمية يحاول الباحثون من خلالها بناء شيء من الصعب انتشاله من الأفكار المسبقة بسبب علاقته العميقة بالهوية الشخصية والجماعية.

اعتمد المؤلفان في انتقائهم للكلمات المئة، على باحثين ومختصين، الذين لم يكتفوا بإيراد أو تعريف المصطلح، بل سعوا إلى إيراد إشكاليات تواصلية تتخطى محيط الكلمات التي عادة ما تتسم بالوضوح، فطرح قسم كبير منهم إشكاليات متعلقة بالبحث، بالاستناد إلى العلوم المساهمة في التربية، كالفلسفة والتاريخ، وعلم الاجتماع، وفن التعليم، عبر معالجة محاور تحقيق، ومفاهيم، وتقديم نماذج، ونتائج وأبحاث.

ينتظم الكتاب في خمسة فصول أو مداخل، ما هي إلا طريقة من طرق كثيرة وممكنة لسبر أغوار عالم التربية، بالإضافة إلى ثبت تعريفي وثبت آخر للمصطلحات.

التعلم والتعليم بين المدرس والتلميذ

تقوم عملية التعلّم والتعليم بحسب رأي المؤلفين على أربع وعشرين كلمة، مفتاحها كلمة التناوب. وترتكز هذه الكلمة على مبدأ تردد الحركة بين التدرّب بتدريبات منفذة داخل الإطار المدرسي، وأخرى ضمن إطار مؤسسة أو عدة مؤسسات، حيث توفر أهدافاً تربوية، تتيح المواجهة للطلاب الذين يعانون اضطرابات في التنشئة الاجتماعية المدرسية.

أما كلمة التعلّم فتتيح تغيّرات استدلالية ذات صلة بالإدراك، من شأنها تعزيز تكيّف الفرد مع محيطه وقدراته الإدراكية، وتشكّل كلمة الرصيد الثقافي مقدمة لفهم التفاوت المدرسي، عبر التمييز بين الرصيد الثقافي المؤسساتي (المدرسة)، والرصيد المُدمج (العائلة)، والرصيد المُسقط (الكتب والأعمال الفنية).

واختلف الباحثون في تعريف دقيق لكلمة الكفاءات، ولكن تمَّ اعتماد تعريف عام لها منذ العام 2006 وهو (ترابط بين معارف وقدرات قابلة لإدخال هذه المعارف حيز التنفيذ، ومواقف، أي حالات عقلية ضرورية لهذا التطبيق). وانقسم الباحثون إلى تيارين في كلمة المنهج، الأول: تيار التعليم الذي يعتبر أن شكل ومضمون المنهج ناتجان عن ضغوطات داخلية تتعلق بالمادة المدرّسة، وعملية النقل الضرورية، والتيار الثاني هو تيار اجتماعي يعتبر أن شكل ومضمون المنهج يستند إلى ظروف اجتماعية وثقافية وسياسية خارجية. هذه الكلمات تتعلق بآلية التعليم، وهناك كلمات أخرى في هذا الإطار تتعلق بالظروف الاجتماعية والاقتصادية، والتربية الصحية، والتربية البيئية، والتربية المدنية التي يعيشها المتعلّم، التي غالباً ما تؤدي إلى مصطلحات تبنى عليها العملية التعليمية التربوية، كالكف عن الدراسة والتسرّب المدرسي، والفروض المدرسية الواجب أداؤها في المنزل، والكتابة والمشافهة، والتعليم عن بعد، والشكل المدرسي الاجتماعي، واللعب والتعلّم، والتحفيز، والتعليم النشط، والتربية الجامعية، والركيزة المشتركة، وأخيراً، الإسناد المعرفي الذي يتجلى بالعلاقة الحسية بين الفرد وعمليات المعرفة وإنتاجيتها، وهو يهدف إلى وضع الأفراد ضمن علاقة مع الحالات المتعددة للمعرفة، الأكثر موضوعية، كما تظهر في برامج (الإنتاج المعرفي)، وفي تدابير يختارها الأفراد (عمليات المعرفة).

قيم وسياسات تأهيلية

يهتم الفصل الثاني الذي عنونه المؤلفان بـ(قيم وسياسات)، بإدراج المفاهيم التي تدّل على أن هذا التعلّم لا يقتصر بالمطلق على التقنيات، لكنه يهدف إلى قيم تأهيل الأفراد الذين يشكّلون محور اهتمام العمل العام الذي يوفر، عبر التربية، استمرارية وتطور المجتمعات. ويأتي مفهوم (السلطة) في مقدمة المصطلحات باعتبارها أحد شروط التربية، وللسلطة التعليمية ثلاثة مفاعيل: مسؤولية قانونية، وإجازة شخصية، وقدرة وظيفية، تجمعها العلاقة بين التماثل واللاتماثل بين المدرس والطالب.

ويُناقش مصطلح (البطاقة المدرسية)، الذي ينقسم إلى شقين: إدارة العرض، وإدارة الطلب، بشكل منتظم لمساعدة الأهالي باختيار المدارس المناسبة، وتأمين تطور السياسات التعليمية. ويأتي (التعويض) استجابة واضحة لعدم تكافؤ الفرص في المجتمع.

وتعد فرنسا أول من عمل على مساعدة الطلاب ذوي الصعوبات التعليمية ودعمهم- قانون هابي 1975. وهناك أيضاً، مصطلحا (تكاليف التعليم)، و(اللامركزية) يندرجان في إطار السياسة التعليمية المتفاوتة بين إلزامية التعليم ومجانيته في المدارس الحكومية، وارتفاع تكاليفه في المدارس الخاصة.

أما مصطلحات (إرساء الديمقراطية، والفعالية، والمساواة والإنصاف)، نجدها في إطار تحقيق العدالة والتخفيف من حدة الفروقات الاجتماعية بين المتعلّمين.

ثم ينتقل المؤلفان إلى البحث في المصطلحات المغيّبة عن المؤسسة التعليمية العربية، إلى حد ما، ومقارنتها مع المؤسسة التعليمية الأوروبية، وخاصة، الفرنسية وهي (العولمة، المساءلة، العلمانية، الأهلقراطية، التعددية الثقافية، التوجيه، الانفتاح الاجتماعي، شراكات وشبكات). ويندرج المصطلح الأخير (سياسات تربوية) في إطار المصطلح الأول وهو (السلطة)، كون السياسات التربوية تأتي من برامج أعمال صادرة عن السلطة العامة، وهذا يؤثّر على الهدف المرجو من المؤسسة التعليمية، وغالباً ما تترك آثاراً سلبية على العملية التعليمية والتربوية. وهذا ينطبق على السياسة التعليمية والتربوية في الوطن العربي بسبب خضوع المؤسسة التعليمية إلى السلطة السياسية بشكل مباشر، وهذا لم يشر إليه المؤلفان في الكتاب.

مؤسسات تعليمية عبر الأجيال

يستعرض المؤلفان في الفصل الثالث المعنون (مؤسسات وأجهزة)، المؤسسات التي تُعنى بالمثل التعليمية والمراحل التي تولد من خلالها، حيث يتجسد الدور الأساس للتربية عبر الأجيال. ويمكن تقسيم هذه المؤسسات والأجهزة إلى ثلاثة أقسام، يتناول القسم الأول منها الجانب اللوجستي، ويضم الدعم المدرسي، والقانون والتربية، والتربية المختصة، وإعداد النخبة، وإعداد المعلمين، والابتكار، والتفتيش المدرسي. والجانب الثاني هو التقسيم المهني، ويضم المدرسة الريفية، والتعليم المهني والتقني، والمدارس الكبرى، والمؤسسات المدرسية. ويُعنى الجانب الثالث في تقسيم المرحلة التعليمية بحسب الفئة العمرية، تبدأ من مرحلة الحضانة والمدرسة الابتدائية، ثم المتوسطة، والثانوية، وأخيراً المرحلة الجامعية.

وفي ظل هذه التقسيمات يعرض المؤلفان آلية تنظيم العملية التعليمية بجانبها الرسمي أولاً، والخاص ثانياً، فالتنظيم الذي تمارسه الدولة يتميز بكونه داخلياً أساساً، وموجهاً لفترة طويلة نحو الدفاع عن مصالح المهنيين وتفضيل الالتزام بالقواعد، ويخضع للقليل من الضبط في الواقع. أما التنظيم الخاص فيعزز الكفاءة، ويبحث عن تسوية محلية بين طلب المستخدمين، وعرض التعليم، وهو بذلك يؤيد ذاتية مؤسسات التعليم.

إجراءات وفاعلون في الفضاء التربوي

أما الفصل الرابع المعنون بـ(إجراءات وفاعلون)، ويضم تسعة عشر مصطلحاً، جاء به المؤلفان ليذكرا أن الوصف الهيكلي الأكثر دقة للمجال التربوي يبقى مجتزءاً، إذا لم يُكمل بتسليط الضوء على كل ما يتحرك في حرم المؤسسة وعمل كل الفاعلين فيها، بدءاً من الإدارة التعليمية ومن يترأسها، مروراً بالتلاميذ وأهاليهم، وصولاً إلى المؤسسات النقابية، وهؤلاء جميعاً، بعيدون عن الانتقال عبر برامج وعجلات نحو علم يقومون هم بصنعه. وهذا الجانب هو بالفعل من المساهمات الفعّالة في الأبحاث حول التربية في العقود الأخيرة، باعتبار المؤسسة المدرسية خطاً أساسياً للتصاعد الاجتماعي.

نظُم وطرائق ثابتة وشاملة

يأتي الفصل الأخير بعنوان (نظم وطرائق) ليقترح فيه المؤلفان مشهداً ثابتاً وشاملاً حول المسالك التي تجعل من المجال التربوي حقلاً علمياً، تعود له تخصصات مشرّعة ومقاربات بحثية معترف بها علمياً. كما يحدد بعضاً من التكاملات التي تزداد فيه أهمية الظاهرة التربوية التي تستدعي التقاء أكثر جرأة مع المفاهيم، ويتضمن ستة عشر مصطلحاً، يمكن إدراجها تحت عنوان (الأبحاث التربوية)، وهي تتعلق بالتحليل الإحصائي لشرح وتفسير العلاقات بين المتغيرات التربوية من جهة والاجتماعية من جهة أخرى. وفي هذا السياق يعرض المؤلفان التجارب الفرنسية فقط من دون الإشارة إلى التجارب العربية، وهذا ينفي ما عبّرت عنه مترجمة الكتاب نهوا عز الدين السكافي في تقديمها بأن الهدف من وراء الترجمة هو رفع الستار عن أوجه الشبه وأوجه الاختلاف في المشكلات والنظم والمؤسسات، وليس الإطلاع فقط .



تعليقات




    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -